الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الجهل... موت بطيء في هيئة حياة

بواسطة azzaman

الجهل... موت بطيء في هيئة حياة

محمد ساجت السليطي

 

الجهل ليس غياب معلومة فحسب، بل غياب روح.

هو عتمة تسكن في العقول، وتتمدد بصمت في الأزقة والبيوت والمدارس والمجالس، حتى يصبح صوتها أعلى من الحقيقة، وأثقل من الحلم، وأخطر من السلاح.

الجاهل لا يعرف، وتلك مصيبة،

لكن الكارثة أن يظن أنه يعرف، فيكذب بثقة، ويظلم بجهل، ويُفسد وهو يظن أنه يُحسن صنعًا.

هو لا يشك، لا يتردد، لا يسأل.

يمشي بثبات نحو الهاوية،

وقد يُغنّي في الطريق!

 

الفرد الجاهل، يضيّع طريقه في الحياة.

لا يعرف كيف يختار، لمن يستمع، أو ماذا يرفض.

يمتلئ بالخوف، أو بالغرور.

يعبد الأقوى، أو يظن نفسه نبيًا.

يفتح قلبه للدجال، ويغلق عقله عن الحكيم.

فتجده عبدًا لعقيدة زائفة، أو تابعًا لأيديولوجيا عمياء،

ويحيا حياة بلا حياة.

 

أما المجتمع الجاهل، فصورة من الأسى المركّب.

تنبت فيه الخرافة كما تنبت الأعشاب في المقابر،

وتعلو فيه الأصوات الفارغة، وتُكمم فيه أفواه العارفين.

يتعصب الناس فيه لأسمائهم، طوائفهم، قبائلهم، لا لقيمهم.

يقتتلون على وهم، ويتخاصمون على رماد.

 

وحين يحكم الجهلُ أمّةً،

تصير فريسة سهلة لكل من هبّ ودبّ.

تنكفئ على ذاتها، تتغنّى بماضيها، وتخاف من الغد.

يموت فيها العلم، ويُضرب فيها العقل،

وتُهدر الطاقات، وتُسرق الثروات،

ثم يُقال لها: هذه إرادة الله!

 

الجهل لا يقتل رصاصة، بل يقتل ببطء.

يُميت الضمير، ويُضعف الإحساس، ويُخدّر الغضب.

يُربّي الطغاة، ويُبرّر الفساد، ويمنح الخونة غطاء الفضيلة.

 

إنه ليس غفلة عابرة،

بل مرض خبيث، لا يُشفى منه إلا بنور الوعي،

وسؤال الشك، وجرأة المعرفة، وسكينة الحكمة.

 

فالحرية لا تسكن عقلًا جاهلًا،

والنهضة لا تقوم على أكتاف العميان،

والكرامة لا تُمنح لمن لا يدرك قيمتها.

 

فلنحذر الجهل…

فإنه الموت،

لكنّه موتٌ في هيئة حياة.

 

 


مشاهدات 40
الكاتب محمد ساجت السليطي
أضيف 2025/06/29 - 4:38 PM
آخر تحديث 2025/06/30 - 1:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 55 الشهر 18415 الكلي 11153069
الوقت الآن
الإثنين 2025/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير