الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مداخلة لم يُسعفها الوقت

بواسطة azzaman

مداخلة لم يُسعفها الوقت

لطيف القصاب

 

في أول أمسية من أماسي شهر محرم الحرام جمعني مجلس طيّب بعدد من ذوي الفكر، والأدب، وفي حين كان الكلام عن شخصية الإمام الحسين عليه السلام كما يقتضي الظرف كان المتكلم الرئيسي شخصيةً على جانب من الورع، والاطلاع.

ومن جملة ما طرحه المتحدث الكريم في محاضرته الحوارية سؤال يتصل بكيفية إبراز العلاقة بين الإمام الحسين من جهة، والسلام من جهة أخرى، وهل من الوجاهة ربط الموضوعين بإطار واحد، أي تصوّر الحسين المقاتل بوصفه مسالما، وتقديمه للآخر المختلف بهذه الصفة؟

ومداخلتي التي تتصل بالإجابة عن السؤال المتقدم -ولم أكملها في حينها مراعاة  للوقت- تدعو أولا إلى ضرورة فك الاشتباك بين مفهومي السلام والاستسلام؛ لأن في التفريق بين هذين المفهومين مسوّغا كافيًا لتصور المقاتل حينما يكون مستسلما خاضعا، وحينما يكون مسالمًا باسلا...

والمؤكّد أن الإمام الحسين لم يكن مستسلما قط، وهو الأمر الذي أدركه شاعرٌ ليس على دين الحسين أصلا، هو عبد الرزاق عبد الواحد في قوله: ((سلام عليك وأنتَ السلامُ وإن كنتَ مختضبًا بالدمِ))...

لقد كان في وسع الحسين بإجماع المؤرخين مبايعة يزيد، وهو في المدينة المنورة، أو في مكة المكرمة ، أو في صحراء كربلاء حين وجد نفسه محاصرًا من أربع جهات! لكنه اختار بوعي راشد، ونفس  مطمئنة أن يبرز إلى معسكر العدو فردًا وحيدا، جاعلا صحبه، وأهل بيته في حلّ من أي التزام تجاهه، فقال مخاطبا إياهم: ((ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وتفرّقوا في سواده فإن القوم إنما يطلبوني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري))، لكنهم أي صحبه، وأهل بيته لم يفعلوا، ولو فعلوا لنجوا من القتل، ولكانت نجاتهم حينئذ نجاة مستسلمين، لا نجاة مسالمين بالمعنى السابق ذكرُه، ولتوقفت أعمارهم حال موتهم أو بعدها بأمد قليل، ولم تستمر حياتهم خالدة إلى أبد الآبدين كما هو حالها الحقيقي الآن، وبعد الآن... 

وبقدر ما يتعلق الأمر بنقل الصورة الحسينية للآخر بوصفها أيقونة للسلام، فقد ذكرتُ أن العجز محيطٌ بنا من كلّ جانب تقريبًا في هذه المسألة، وآيته الكبرى بقاء موسم الحزن الحسيني لدينا مناسبة وقتية تنتهي كل آثارها الإيجابية بانتهاء الموسم، وهي في المقابل مناسبةً يغلُبُ عليها حسُّ التندر، والسخرية لدى الطرف المغاير لنا في زاوية النظر، لاسيما الناظر للحسين بصفة الطالب للسلطة بالحرب، أو الخارج عن إمام زمانه، أو المقتول بسيف جده! وفي عجز (المحسوبين) على خطّ الحسين عن تصويره للآخر تصويرا لائقا بسيرته العظيمة مؤشرٌ واضح على الإخفاق، وله أكثر من علّة، من ذلك ما يرتبط بمنهجهم القائم في جلّه على روايات غير مجمع على صحتها سندا، أو متنا، يضاف إلى ذلك أنها لا تحاكي موروث المسلم الآخر المختلف، بل قد تتقاطع كليًّا أو جزئيًّا مع تصوراته الاعتقادية، والفقهية، وحتى الأخلاقية!

وعليه لكي يكون النقل عن الحسين نقلا مؤثرا، وأمينا، وبما يتوافق مع السلوك السلمي للنهضة الحسينية تحديدا لا مناص عن التوسّل إلى ذلك بالمنهج القرآني، ومن وجهة نظري فإن كلّ خطوة خطاها الحسين عليه السلام لها ما يناظرها في حركة القرآن الكريم، فمغادرته، وأهل بيته، وصحبه المدينة إلى مكة، ومن ثم توجهه نحو الكوفة قد يكون بنحو من الأنحاء بإيحاء مباشر لآية كريمة، وردت في سياق أمر ما، أو نهي ما، ولكن تظل المهارة في رصد حركة الحسين داخل خريطة القرآن الكريم مرهونة بقدرة المتعاطي مع الواقعة، ومدى خبرته بتفاصيل الكتاب المجيد، وهو الأمر الغائب (للأسف الشديد) في طيف واسع من المتصدّين لدعوى نشر القضية الحسينية، ومن هؤلاء من يُسهم من حيث يدري أو لا يدري بطمس هُويّة الحسين، ومحوها من العقول، والقلوب، والشواهد على ذلك أكثر من أن تُحصى، أو تُحصَر، ويكفي للتدليل عليها تتبع ما يندرج تحت بند الرائج حاليًّا مما يُحسب زيفا على خطّ الحسين عليه السلام، وللحديث تتمة في أذهان " الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ"...    


مشاهدات 59
الكاتب لطيف القصاب
أضيف 2025/06/29 - 4:38 PM
آخر تحديث 2025/06/30 - 2:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 74 الشهر 18434 الكلي 11153088
الوقت الآن
الإثنين 2025/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير