الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة في كتاب تنغيم في الذاكرة للأديب الفنان تحسين عباس


قراءة في كتاب تنغيم في الذاكرة للأديب الفنان تحسين عباس

 نجم الجابري

 

عن دار مسامير للطباعة والنشر صدر للشاعر الفنان تحسين عباس كتابه الموسوم تنغيم في الذاكرة يتكون الكتاب من 144صفحة من الحجم المتوسط تعرَّض فيه الكاتب للنقد الموسيقي محللاً تكوين الموسيقى للأغنية من حيث الانتقالات المقامية والتكنيك في عزفها ومدى تأثير كل ذلك على المستمع مبيناً أن النقد الغنائي يبحث عن مدى استطاعة المطرب أداء الأغنية وايصالها الى المتلقي وتأثيرها عليه.

في هذا الكتاب النقدي، ابتكر الباحث لوناً استحدثته الحاجة النقدية فهو يجمع بين النص الموسيقي والأدبي اضافة  الى الأداء وفن التوزيع وقد أضاف له فن الإخراج للأغنية.

يتكون الكتاب من ستة عشر جزءاً بضمنها الإهداء ويروي الكاتب في (قصة حرف). ص9 كيف كان ذات يوم يعزف أغنية مشهورة في دمشق ودخل عليه شخصان من الكويت وأنهار أحدهما باكياً عندما سمعه يعزف الأغنية ومن ذلك الحين يقول الكاتب قررت أن أكتب في هذه الأغنية وكانت قراءتي النقدية فيها ليست كباقي القراءات التي تلتها لكن وضعتها كما هي، ويتحدث عن تجربته وعن لون النقد الذي نشره في صحف عديدة كالقدس العربي وجريدة الزمان الدولية والصباح العراقية وصحف أخرى بقوله:" لم أجد نقداً تطرّق الى نص الأغنية وحلل الفكرة العامة لها ومدى تطابقها مع البناء النغمي" وعن اجادة المنغم في استنطاق فكرة النص نغمياً فما- كتبه- كما يقول: لون استحدثته الحاجة النقدية في تحليل كامل للعمل الفني.

في ص ١٢ (الغناء على رفوف النقد) يطرح رأياً مهماً (أن العصر الحالي شهد تهاوناً في قضية النقد الفني لعدم التزام المختصين بقواعد النقد الأساسية في الموسيقى وقد غلبت الانطباعية في الاستماع لمادة الموسيقى على نظرية التفكيك البنائي لأركان النقد الفني للمؤلفات الغنائية والموسيقى، مما أدى إلى نفور عدد من المطربين الى القنوات التجارية التي توفر لهم برَّ الأمان وإبرازهم في الساحة الغنائية لأنهم رأوا أنَّ الناقد يقيس على تذوقه وميولهِ الفني عند تحكيم الأعمال في المهرجانات، وأعتبر الكاتبُ برنامجَ عراق ستار أنموذجاً للمهرجانات التي يحكم على الأعمال الفنية فيها من خلال دقائق مما يقلل من دقة الحكم.

 ص20 يتحدث عن أغنية " مسافرين" معتبراً ايّاها من الأغاني التي لازمت الذاكرة النغمية لوقت طويل لما فيها من معانٍ  نغمية وشعرية تحاكي الوجدان وتحاور العواطف وتحملنا إلى فضاء من البراءة والصفاء وجودة الصوت الشجي.

في ص ٢٧ يتحدث بتمعن عن كلمات أغنية (مره وحده) لياس خضر ألحان طالب القرغولي التي تلج بـــ تواجدها في الذاكرة وتفرض على رغبتنا الاهتمام ،ففكرة الأغنية تتحدث عن الحب الحقيقي العذري الذي يبتعد كثيراً عن التمرد والعبثية في العواطف ويمتزج بالوفاء ونكران الذات.

ويدخل الكاتب في تحليل تنقلات اللحن والنص ويقدم مقاطع عديدة يقارب فيها ما تقدم، إضافة الى الأداء والتوزيع.

في ص ٣٥ يقارب الباحث أغنية ( تايبين في صدى الذاكرة) ويعتبر أن هذه الأغنية فيها تطابق موضوعي بين فكرة الكلام المؤلف وفكرة تنغيمهِ على ما يناسبه من سلم موسيقى انثال بعاطفة مترفة من الأحاسيس ضمن هذه الأغنية التي هي من كلمات داوود الغنام وتنغيم نامق أديب وأداء ياس خضر نستطيع أن نجد الأسباب الحقيقة في نجاحها ودوام سماعها بـاعتباره أن النص ووحدة الموضوع الفني يلامس صورة قلبية لا لفظية وهي من حكايا الحب العذري.

في ص ٣٩ يتحدث عن (رحلة في سفينة الفن الى فضاء الإبداع والغرابة، أغنية رجل الكواكب مثالاً ) ويشرح الباحث معنى الاشتغال الإبداعي في النصوص الأدبية والاعمال الفنية منها لضرورة الصدق في روح النص،

في ص49 يتحدث المؤلف عن (العمق الحسي في الأغنية العراقية) مؤكداً على أهمية تواجد النص والتنغيم والأداء المميز والتفاعل مع روح النص من قبل الملحن والمؤدي ففي مثل هذه الحالة يستطيع هذا الثالوث أن ينجح لأنه يلامس شعور المتلقي من خلال صدق الكلمة والتنغيم والأداء.

ص55 يتحدث الكاتب عن (الفن بين السياسة والاصالة) ويضرب من المثال الكثير حيث أنّه، يمكن لك أن تجرب أن تُسمعَ من يختلف معك سياسياً لحناً من ذاك الخصم فتراه يتفاعل وينسى موقفه السياسي ويضرب مثلاً على ذلك في الغناء الكويتي أيام الخلاف السياسي بين البلدين ليثبت أنَّ الفن غالبٌ على الخلاف.

أما في ص61 فيتحدث عن أغنية (جتني الصبح وعيونها ذبلانه) ويغوص في أعماق النص وتنغيم الأغنية فالقصة حقيقية كما يعلم الجميع حدثت في محافظة ميسان في العراق وتتحدث عن موظف كان يحب امرأة وهي لا تهتم به ولما خذلها من تحبُّه جاءت له لتنتقم من حبيبها فكان منه أن ردّها وكتب هذا النص (جتني الصبح وعيونها ذبلانه)

والأغنية فيها من الابداع المثير كما يقول المؤلف  بدءاً من المقدمة التي تعبر عن رقة الصورة النغمية وترافة التعبير.

أما ص66 فيتحدث عن ثلاثي الفن والغناء سعدون جابر وطالب القره غولي وعبد الرزاق في عملهم صبر ايوب.

ويتحدث عن الغرابة في هكذا عمل فيه من الابداع الكثير ففكرة بناء العمل الفني للأغنية وكيف أنّها تبرز لعبة الغرابة التي استند عليها المنغم والكاتب ومن ثم المخرج ويقصد به المطرب المؤدي للنغم، فالشعر بناء ولغة وايقاعاً وصورة هو في جوهره لعبة لغة تكون قادرة في جرأتها الميدانية على أن ترغم المتلقي ليكون جزءاً فاعلاً فيها لكي يتم النجاح.

ص76 يتكلم عن ابداع الشاعر والمنغم في الملحمة الغنائية في أغنية (وطن الهباء) لرعد بركات، في هذا العمل قدمت أعمالاً مميزة تستفز المَلَكةَ النقدية وتقودها الى الكتابة بما يتناسب مع الميول للناقد، ويقدم الباحث شرحاً مفصلاً عن هذا العمل من الفكرة الى اللحن ثم الأداء والدخول في عالم الموسيقى والتنقلات بين المقامات.

ص88 يتحدث عن أغنية (يا طيور الطايره) ويعدّها معماراً متكاملاً في الابداع والأصالة

ص97يتحدث عن (سيمفونية ليل) كلاماً ولحناً وأداء وفكرة النص واستحضار الشاعر لمفردات عديدة  تبعث الروح في النص وتجعل ديمومته مؤكدة.

ص106يتكلم الباحث عن (الخطاب الفني الهادف أغنية قلب النور مثالاً)

ص116 يعود الكاتب للحديث عن (الغرائبية الفنية في الشعر والموسيقى أغنية أذلني حبي مثالاً) شعر يحيى السماوي موسيقى وأنغام رعد بركات اخراج حسن حامد في هذا العمل يستعرضُ الناقد بالتعبير عن ذائقته المعرفية في صورة الجمال التي يحملها العمل الفني من صياغة البناء ومستوى التوصيل للمتلقي وفيها تجسيد  للوجع السومري بما يحمل من حزن ومعاناة رغم أنَّ البناء الموسيقي بعيد عن الهوية العراقية التي تقاس بالتراث الريفي والمقام العراقي وكأنّه يتحدث عن حال العراقيين في المهجر.

ص124يتكلم عن أغنية (غريب على الخليج) ص133يتحدث عن غرابة الاستقرار النغمي في الأغنية العراقية مثال( وعد مني وعد) لـــ رحمة رياض كلمات رامي العبودي والحان علي صابر

الخلاصة:

قدم الأديب الفنان تحسين عباس في هذا العمل الإبداعي خلاصة تجربته في الموسيقى والشعر وقدم نقداً وتحليلاً متميزاً حيث قارب على حدٍ سواء النص وما وراء  النص  والتنغيم والبعد الروحي للنغم والأداء والتميز لقوله أنه أول من كتب عن هكذا نقد معتبراً أنّه استحدثه للحاجة النقدية بقلمه وأنه لم يعهد أحداً كتب بهذا الطريقة بــاعتبار أن هذا اللون يجمع ما بين النص الموسيقي والأدبي إضافة الى الأداء وفن التوزيع وفن الاخراج.

بدوري أقول ان في هذا العالم سايرت الأغنية في الشرق والغرب المدراس الأدبية والنقدية ولازمت الموسيقى القصص الأدبية والتراثية والميثولوجيا من خلال سمفونيات عظيمة وألحان كبيرة كتب لها الخلود، وفي القرن العشرين ظهر الإسفاف واضحاً في النصوص الحركية التي تعتمد الأغاني فيها على لغة الجسد والإغراء والايحاء الجنسي من خلال دلالات يقدمها الفنان لكسب الجمهور ورغم ذلك ظل النقد الموسيقى قائماً مع كل هذه الهجمة. قدمت أعمال موسيقية ضخمة سيما في الشرق الأوسط وشرق آسيا تتماهى مع حضارات تلك الشعوب وتراثها الموسيقى مما يؤكد أن هذا الكتاب جاء في محله ليؤكد حقيقة هذا النمط النقدي الذي اختص في الفن العراقي باعتباره ضرورة حتمية، واستيعاب العمل الفني الغنائي بوجود ثالوث النص والتنغيم والأداء إضافة الى الفكرة والإخراج والتوزيع ويُعدُّ هذا المنجزُ مورداً مهماً  للعودة  بالمكتبة الموسيقى العراقية.


مشاهدات 75
الكاتب  نجم الجابري
أضيف 2025/06/29 - 4:40 PM
آخر تحديث 2025/06/30 - 4:47 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 117 الشهر 18477 الكلي 11153131
الوقت الآن
الإثنين 2025/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير