الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نعم إنتصرت إيران .. نعم إنتصرت إسرائيل

بواسطة azzaman

نعم إنتصرت إيران .. نعم إنتصرت إسرائيل

مقال تحليلي في نـتائج المواجهة الأخيرة الصراع كمسرح للرسائل

 

أحمد فكاك البدراني

 

في الحرب القصيرة والمكثفة ، الصراع الأخير الذي احتدم بين إيران وإسرائيل، في الايام الماضية ، لم يكن النصر حكرًا على طرف دون آخر ، ولم يكن من السهل أن نحدد من الطرف المنتصر بل يمكن القول ، بمنتهى الواقعية، إن كل طرف خرج من المواجهة وقد حقق غاياته المرحلية، حتى وإن كانت تلك الغايات لا تنهي الصراع بل تعمّقه وتعيد تشكيله.

والنتائج تكشف حقيقة مدهشة ، ان الطرفين ، على الرغم من العداء المستحكم، خرجا من المواجهة وهما يحملان ما يمكن وصفه بـ”النصر النسبي” — كلٌ بحسب أهدافه.

ضربة نوعية

إسرائيل: ضربة مركزة تحمل رسائل متعددة :

بالنسبة لإسرائيل، كانت الضربة النوعية التي استهدفت منشأة نووية إيرانية – حسب ما أوردته تقارير غير مؤكدة رسميًا – رسائل واضحة ومباشرة موجهة إلى اكثر من طرف ..

الرسالة الأولى إلى إيران :

 مفادها أن مشروعها النووي لن يُترك بلا رقابة أو ردع ، وان ليس من حق أحد ان يمتلك أسلحة نووية تهدد اسرائيل في المنطقة واي كانت ..

الرسالة الثانية إلى الولايات المتحدة :

 بأن إسرائيل ما زالت اللاعب الأقوى في المنطقة القادر على التحرك منفردًا.

هذه العملية أعادت لإسرائيل صورتها كقوة استخباراتية وعسكرية حاسمة ، قادرة على تنفيذ عمليات دقيقة خلف خطوط العدو.

الرسالة الثالثة الى المجتمع الدولي

ان تمادي اسرائيل وتعسفها باستخدام القوة لابد وان توضع له حدود وردع دولي .. إيران: ردّ محسوب، لكنه لافت :

في المقابل ، جاءت ردة فعل إيران ذكية ومدروسة.

لم يكن الرد الإيراني مجرد استعراض للصواريخ أو الطائرات المسيّرة ، بل كان يحمل رسالة سياسية وأمنية واجتماعية مفادها: “نحن قادرون على الرد ، وتجاوز الخطوط الحمراء إذا لزم الأمر”.

الهجوم الإيراني لم يكن فقط عملاً انتقاميًا ، بل استعراضًا ذكياً للقدرات ، من جهة ، واختبارًا لمنظومة الدفاع الإسرائيلية ، من جهة اخرى ، والأهم من ذلك ، إعلانًا أن إيران لم تعد تخشى المواجهة المباشرة ، وإن كانت محدودة.

إسرائيل: حين يتحول الهجوم إلى استراتيجية وقائية :

الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف منشآت حيوية في عمق إيران — وعلى رأسها منشأة نووية قيل إنها كانت على وشك التشغيل — لم يكن مجرد عملية عسكرية بل كان “بيانًا سياسيًا عسكريًا”. إسرائيل أرادت من خلال هذا الهجوم أن تؤكد ما يلي:

أن البرنامج النووي الإيراني لن يُترك ليتطور دون عواقب.

أن إسرائيل تحتفظ بتفوق استخباراتي وقدرة على تنفيذ عمليات دقيقة في أعمق نقطة من الأراضي الإيرانية.

أنها لا تنتظر موافقة أحد حين يتعلق الأمر بأمنها القومي، لا من واشنطن ولا من العواصم الأوروبية.

بالمعنى العسكري ، إسرائيل نجحت في تدمير هدف حساس ، وبالمعنى السياسي ، أعادت ترسيخ صورتها كقوة لا تُختبر حدودها بسهولة.

إيران: الرد الذي كسر حاجز الصمت ..

إيران، التي لطالما ردّت عبر وكلائها في المنطقة ، اختارت هذه المرة أن ترد بشكل مباشر وعلني. هذا بحد ذاته تطور نوعي. إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه أهداف داخل إسرائيل ، حتى وإن تم اعتراض بعضها ، كان له مغزى استراتيجي:

إثبات أن إيران لم تعد تهاب المواجهة المباشرة.

أن لديها القدرة على تنفيذ ضربات نوعية باستخدام أسلحة حديثة ومتنوعة.

رسم خطوط

وأن جغرافيا الرد لم تعد محدودة بجبهات غير مباشرة كلبنان أو سوريا أو اليمن، بل باتت تمتد إلى قلب الصراع ، والى قلب اسرائيل المحصنة بالقبة . تكمن اهمية هذا الرد في انها ليس مجرد “انتقام”، بل كان إعادة رسم لخطوط الاشتباك ، من جهة ومؤشرًا على انتقال إيران من “الرد بالوكالة” إلى “الرد السيادي”، من جهة اخرى. كلاهما انتصر… وكلاهما يتهيأ للجولة المقبلة :إسرائيل خرجت وهي تؤكد تفوقها التكنولوجي والاستخباراتي ، بينما خرجت إيران وقد كسرت حاجز “الردع النفسي” التقليدي. إسرائيل وجهت ضربة قاسية ، وإيران أثبتت أنها قادرة على الرد ، ولو جزئيًا ، وامتلاك زمام المبادرة.

هذه الحقيقة وحدها تغيّر الكثير في قواعد اللعبة الإقليمية.

ثمة تساؤلات مهمة تطرح نفسها :

نهاية المواجهة..؟

أم بداية مرحلة جديدة ..؟

ما حدث ليس نهاية ، بل بداية مرحلة جديدة من حرب الظلال التي تخوضها الدولتان منذ سنوات.

المرحلة المقبلة ستشهد مزيدًا من الحذر ، وربما مزيدًا من التصعيد المحسوب. لكن ما لا شك فيه أن ميزان الردع تغيّر ، ليس بالضرورة لصالح طرف واحد ، بل لصالح معادلة جديدة: القوة مقابل القدرة على الاحتمال ، والضربة مقابل الرد ولو الرمزي

نعم، انتصرت إيران… ونعم، انتصرت إسرائيل :

هذه الحرب القصيرة كانت مسرحًا واسعًا للرسائل المتبادلة، أكثر من كونها معركة عسكرية تقليدية. لم يكن الهدف إسقاط نظام أو احتلال أرض ، بل إيصال رسائل سياسية وعسكرية إلى خصم يعرف أن هذه المواجهة ليست سوى فصل من صراع طويل.

إسرائيل أرادت أن تقول: “ما زلنا هنا ، وأي تقدم نووي سيكون ثمنه باهظًا”.

حجم خسائر

وإيران ردّت بوضوح: “لسنا كما كنا ، والرد هذه المرة منّا نحن ، لا من غيرنا”.

الواقع الجديد: توازن ردع جديد ، لكنه هش ..

النتيجة الأهم لهذه الجولة قد لا تكون في حجم الخسائر أو عدد الضربات ، بل في ما خلفته من معادلة ردع جديدة: إسرائيل قادرة على الضرب… وإيران قادرة على الرد. هذا لا يعني أن الطرفين لن يدخلان في حرب أوسع ، مرة اخرى ، لكن يعني أن كليهما بات يحسب خطواته بشكل أدقق في المرة القادة. إسرائيل ستفكر مرتين قبل أي عملية مشابهة ، وإيران ستوازن بين الردع والتهدئة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. في النهاية يمكن ان نقول حسمت النتيجة بنصرين لكن بطعم مختلف .. نعم ، انتصرت إسرائيل عندما وجهت ضربة نوعية ناجحة ، ونعم ، انتصرت إيران عندما أثبتت أنها لم تعد تقبل دور المتفرج أو المتلقي.

وبين هذين “النصرين”، وُلد واقع إقليمي جديد، أكثر توترًا، وأكثر استعدادًا لانفجار قادم ، وربما أخطر ، فضلا عن اعادة الحسابات مع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي.  فالمعادلة تغيرت… لكن اللعبة لم تنتهِ بعد.

  وزير الثقافة والاثار


مشاهدات 66
الكاتب أحمد فكاك البدراني
أضيف 2025/06/29 - 4:29 PM
آخر تحديث 2025/06/30 - 2:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 88 الشهر 18448 الكلي 11153102
الوقت الآن
الإثنين 2025/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير