الحسين وسبارتاكوس: لماذا تبقى ثورة وتُنسى أخرى؟
قراءة فكرية في رمزية الثورة وديناميات البقاء الحضاري
محمد عبد الجبار الشبوط
لا تزال ثورة الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، التي وقعت سنة 61هـ / 680م في كربلاء، حاضرةً في وجدان ملايين الناس، تتجدد كل عام، وتُحيى بطقوس دينية وشعائر جماهيرية، وتلهم الأحرار والمظلومين على مرّ العصور.
وفي المقابل، خمد ذكر ثورة سبارتاكوس، العبد الذي قاد تمرّدًا ضخمًا ضد الإمبراطورية الرومانية بين عامي 73–71 ق.م، رغم شجاعته وجرأته ومقاومته للعبودية.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا:
لماذا بقيت ثورة الإمام الحسين متقدة في الذاكرة الجمعية والرمزية الحضارية، فيما تراجعت ثورة سبارتاكوس إلى الهامش التاريخي؟
هذا المقال يحاول تقديم إجابة تحليلية، لا عاطفية، عبر ستة محاور تأسيسية:
⸻
1. منطلق الثورة: بين القيم الإلهية والانتفاض المعيشي
• انطلق الإمام الحسين من مرجعية إيمانية واضحة: إصلاح أمة جده، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رفض بيعة طاغية فاسد (يزيد بن معاوية). كانت الثورة موجهة نحو إحياء القيم العليا في المجتمع.
• أما سبارتاكوس، فقد تحرك بدافع رفض الاستعباد الجسدي والمعيشي، وهدفه كان الهروب الجماعي من روما واستعادة الحرية الطبيعية. الثورة ذات مضمون إنساني نبيل، لكنها بلا أفق قيمي متجاوز.
الحسين ثار باسم الله والعدالة، وسبارتاكوس باسم الكرامة والرفض.
⸻
2. الموقع الرمزي: الإمام مقابل العبد
• الحسين كان رمزًا روحيًا وإمامًا معصومًا في نظر المسلمين الشيعة، وغيرهم، وسبط رسول الله في نظر المسلمين عمومًا. ثورته ليست فعلاً سياسيًا فقط، بل تجليًا لعقيدة وشهادة رسالية.
• سبارتاكوس لم يكن رمزًا دينيًا أو عقائديًا، بل قائدًا عسكريًا لعبيد محرومين، ومثاله انبثق من تجربة أرضية لا تتجاوز حدود اللحظة.
أحدهما امتداد لنبوّة، والآخر مجرّد انتفاضة وجودية.
⸻
3. البنية التأويلية للثورة: من الحدث إلى الأسطورة
• الثورة الحسينية تم تأويلها دينيًا وروحيًا: الحسين وارث آدم ونوح وإبراهيم ومحمد… وقِصته متداولة في خطب وزيارات ودعاء، بل أصبحت ملحمة تربوية مستمرة.
• ثورة سبارتاكوس لم تُؤسطر، ولم تحظَ بتأويل روحي. دخلت كتب التاريخ، وخرجت منها إلى أفلام تجارية وسرديات ثانوية.
⸻
4. الحضور الجماعي في الزمان والمكان
• عاش الحسين في وجدان أتباعه عبر الشعائر العاشورائية، والزيارة، والمواكب، مما حفظ ثورته حية ومتجددة، بل قابلة للتفاعل السياسي والاجتماعي.
• لم يكن لسبارتاكوس طائفة حيّة أو مجتمع حاضن يُخلّد ذكره أو يربط مصيره بالرمز الذي مثّله.
⸻
5. الرسالة الحضارية المفتوحة
• ثورة الحسين لا تزال تُطرح كـ”مشروع إصلاحي مفتوح” قابل للاجتهاد والتطبيق، وتتناسب مع كل زمان، لأنها ثورة قيم وليست فقط ثورة دم.
• أما سبارتاكوس، فقد انكفأت ثورته بانكفائه، ولم تُتحوّل إلى مشروع دائم، ولا حملت مضمونًا يتجاوز المطالبة بالحريّة المعيشية.
⸻
6. التفاعل القرآني – السنني
• تنسجم ثورة الحسين مع المبدأ القرآني:
﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾،
﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾،
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ﴾.
• بينما لا تمتلك ثورة سبارتاكوس إطارًا سننيًا أو روحيًا يعيد تأويلها ضمن خريطة معنوية كونية.
⸻
???? النتيجة: من الحدث إلى الخلود
ثورة الحسين بقيت لأنها كانت ثورة على الزمن، لا في الزمن.
أما ثورة سبارتاكوس، فانطفأت لأنها ماتت في التاريخ ولم تدخل الوجدان.
لقد أطلق الحسين ثورته تحت شعار:
“إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي”.
وهذا “الإصلاح” ما زال قضية قائمة، وهذا هو سر الخلود.
⸻
خاتمة:
لا تنتصر الثورات بعدد السيوف، بل بما تخلّفه من أثر رمزي ومشروع قيمي قابل للاستمرار.
ولهذا السبب، لا تزال كربلاء تتجدد، بينما تبقى روما القديمة أثرًا باهتًا في كتب التاريخ.