معادلة صامتة
علي حجارة
في خضم هذه الأيام المُعبأة بخبرٍ من هنا أو إعلان من هناك لايخلوان من كلماتٍ مثل نووي، ذرّي ، مفاعل ، إشعاع ... الخ ، ووسط أجواء مُفعمة بالـ ( طاخ ) و الـ ( طيخ)، تُطالعني بعض الأفكار التي ترتبط بظروف صناعة القنبلة الذرية الأولى عام 1943 م وأعني بذلك ( على سبيل المثال لا الحصر ) اختيار صانعها ( أوبنهايمر ) لمكانٍ معزول في ولاية نيومكسيكو الأمريكية لبدء مشروعه، وجمع العلماء المنبوذون من سياسات دولهم إبّان الحرب العالمية الثانية لاستغلال قدراتهم، والتشديد على الكتمان الذي لف المشروع المُكنّى آنذاك بمشروع مانهاتن، حتى إسقاط نتاجه على هيروشيما وناكازاكي ... لم تكن المسألة حينها مسألة صد قوّة مُضادة للولايات المتحدة فقط، بل كانت إعلانًا غير رسمي ( وربما رسمي حتّى ) بأن لدى أمريكا نار بروميثيوس المقدسة التي تؤهلها لحكم العالم، ومنذ تلك اللحظة وما بعدها، بدأ نزاع التسلّح في تصاعد بوصفه معيارًا لميزان القوى بين الدول العظمى ولايغُرك ما يُشيعه الدوبلماسيون ومحللو السياسة، فمن يمتلك السلاح الأقوى هو من يمتلك العالم ، هكذا ببساطة ..! .
عودٌ على بدء .. ما أن تمر على بالي ظروف اختراع القنبلة الذرية الأولى، تجول في رأسي تساؤلات عن الظروف الأخرى التي ستأتي بالاختراع الذي سيُغير ميزان القوى المُقبل ... في الدول العُظمى، تعمل المنشآت العلمية بلا كلل وبصمت وعزلة ( كما مشروع مانهاتن آنف الذكر ) بعيدًا التفاهة التي تتشبع بها أغلب شعوب الدول المقهورة، وبمراجعة بسيطة لمجال البحث العلمي ( المُعلن ) ستجد ما يؤشر ذلك، فالصين تتنافس بشراسة مع الولايات المتحدة لتصبح الأولى في مجال البحث العلمي بنشرها لأكثر من 530 ألف ورقة بحث سنويًا في مجالات العلوم الصرفة والهندسة لتمثل ما نسبته 20 بالمئة من الإجمالي العالمي للبحوث أمام نسبة 16 بالمئة للولايات المتحدة تليها الهند وألمانيا ومن ثم اليابان فالمملكة المتحدة ومن ثم روسيا وكل ما ورد آنفًا هو ما يُظهره الإعلام في هذا المجال، أما خلف الكواليس فهناك من التقنيات والبحوث ما يتم العمل عليها بصمتٍ تام وفي سياق محتدم لايقل شأنًا عن سباق التسلح في مجالات الطاقة البديلة والبحث عن مختصرات جديدة في مجالات التغذية والنقل ومما يمكن أن يوقعنا في صدمة تتبع حيرة في المستقبل القريب.. لاتستغرب بعض بحوثهم التي تقترب لأن تكون إحدى سيناريوهات الخيال العلمي فهناك منشآت حقيقية تعلن اقترابها من فك سر موت الخلايا والتوصل لطريقة تقرّب الإنسان من الخلود وهناك منشآت تعمل على استبدال جميع المحروقات باستخدام المياه وهناك من يحاول التنقل عبر الأبعاد الفيزيائية لاوسائل النقل وهناك بحوث تتكلم عن ضغط المكان والتنقل الضوئي وهناك من ابتكر فعليًا ذاكرة تُضاف إلى الدماغ عبر رقائق مُصنعة، عدا الابتكارات السريّة المتعلقة بالطب والاتصالات والأغذية المهجنة ... نعم هناك من يعمل بصمت، سعيًا لامتلاك العالم، وهناك من ينتظره دون وعيٍ منه كي يُسلم أمره له .. هذه هي المُعادلة ...