الانتخابات بين الصور والبرامج.. ووعي الناخب
عامر محسن الغريري
في مشهدٍ انتخابي يعكس حيوية الحياة الديمقراطية في العراق، اكتظت شوارع العاصمة بغداد وساحاتها، وكذلك مدن المحافظات، بصور المرشحين ولافتاتهم التي غطّت الجدران والطرق والجسور، فيما امتلأت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، والمواقع الإلكترونية، بخطاباتٍ وبرامج انتخابية تسعى إلى كسب ثقة الناخبين. يعيش العراق هذه الأيام أجواءً انتخابية حماسية تسبق يوم الحادي عشر من تشرين الثاني، الموعد الذي سيقول فيه المواطن كلمته الفصل ويضع صوته في الصندوق لمن يراه الأجدر بحمل الأمانة وتمثيله تحت قبة البرلمان.
تُعد هذه الدورة الانتخابية مختلفة عن سابقاتها، إذ يدخلها العراق وهو أكثر استقرارًا على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية. فبعد سنوات من التحديات، باتت البلاد أكثر قدرة على ترسيخ مفاهيم الديمقراطية، التي لا يمكن أن تنمو في أجواء مضطربة أو وسط تراجع اقتصادي وصحي وخدمي. ومع أن بعض الهفوات لا تزال قائمة، إلا أن الإرادة الوطنية الصادقة وحسن النية يمكن أن يسهما في معالجتها والمضي نحو مرحلة أكثر نضجًا وثباتًا.
أما الدعاية الانتخابية فقد شهدت تحولًا واضحًا في مضمونها وأدواتها. فلم تعد الصور الضخمة والملصقات المعلقة كفيلة بتغيير قناعات الناخبين كما في السابق، إذ بات المواطن اليوم أكثر وعيًا في اختيار من يمثل صوته. وأصبح نجاح الدعاية يعتمد على المصداقية في الخطاب الانتخابي، وعرض إنجازات حقيقية وملموسة، لا على الوعود البراقة والشعارات المتكررة. كما أن تفاعل المرشح مع الجمهور بشكل مباشر، سواء عبر اللقاءات الميدانية أو المنصات الرقمية، أصبح وسيلة فعالة لتقوية الثقة وتوضيح البرامج الخدمية والاقتصادية التي تمس حياة المواطن اليومية وتعالج قضايا البطالة وتحسين الخدمات.
وقد عبّر مواطنون عن آرائهم تجاه هذه الدورة، مؤكدين أن تثبيت الإعلانات الانتخابية لم يكن منصفًا في بعض المناطق، إذ حُرم بعض المرشحين من مواقع بارزة لعرض دعاياتهم. في المقابل، رأى آخرون أن مخلفات الحملات الانتخابية يمكن أن تُستغل لاحقًا في مشاريع حرفية أو صناعية بسيطة بدل أن تبقى نفايات في الشوارع. ويجمع أغلب المواطنين على أن جيل المرشحين الجدد يُنظر إليه على أنه أكثر وعيًا بمسؤولية المرحلة، وأنه ينظر إلى صوت الناخب باعتباره أمانةً لا تُقدّر بثمن، والحفاظ عليها عهدٌ ينبغي الوفاء به.
ويقطع المرشحون في هذه الدورة على أنفسهم وعدًا أمام الناخبين بأن يضعوا العراق أولًا في كل قرار يتخذونه، وأن يعملوا بإخلاص من أجل خدمة المواطن وتحسين واقعه المعيشي، وتطوير قطاعات التعليم والصحة والخدمات، وفتح آفاقٍ جديدة لفرص العمل، وبناء دولة يسودها الاستقرار والعدالة والازدهار.
وهكذا، يقف العراق اليوم أمام محطةٍ انتخابية مهمة تمثل اختبارًا جديدًا لتجربته الديمقراطية. ويبقى صوت المواطن هو الحكم الحقيقي الذي يقرر من يستحق الثقة، لأن الصندوق لا يفرّق بين صورةٍ كبيرة أو شعارٍ لامع، بل ينحاز لمن يضع العراق في قلبه، ويعمل بصمتٍ وإخلاص من أجل رفعته.