النائب مغلق او خارج منطقة التغطية
حسن الحيدري
لم تعد الانتخابات في نظر الكثيرين مشروعًا وطنيًا للتغيير كما كانت تُقدَّم في الشعارات، بل أصبحت حدثًا مؤقتًا ينتهي بانتهاء يوم التصويت. فبعد أن تُغلق صناديق الاقتراع، تُغلق معها مكاتب بعض النواب، وتختفي وجوههم من بين الناس، لتبدأ مرحلة جديدة من الصمت السياسي وانقطاع التواصل
في السنوات الأخيرة، تحوّلت الانتخابات في نظر كثير من المواطنين من محطة أملٍ للتغيير إلى حدثٍ وقتيٍ عابر، لا يترك أثرًا بعد انقضاء أيامه. فبعد انتهاء التصويت وظهور النتائج، تختفي الوعود، وتغيب اللقاءات، وتُغلق هواتف النواب التي كانت مفتوحة على مصراعيها قبل أسابيع فقط. هذه المفارقة صنعت فجوة عميقة بين الناخبين وممثليهم، وأفقدت العملية الانتخابية معناها الحقيقي.
كان الناس ينظرون إلى الانتخابات باعتبارها بداية لعقدٍ اجتماعي جديد، يربط المواطن بنائبه عبر التواصل والخدمة وايصال صوته لمنطقته ومحافظته. أمّا اليوم، فقد أصبحت الانتخابات حدثًا موسمياً، يشبه الأسواق المؤقتة التي تُقام ثم تُزال خيامها مع أول رياح سياسية.
ظاهرة صعود الوجوه العشائرية التي تعتمد على الناخب القبلي أزدادت هي الاخرى . فبدل أن تكون الانتخابات ساحة تنافس للأفكار والخطط، أصبحت في كثير من المناطق سباقًا عشائريًا تحكمه الولاءات الاجتماعية أكثر مما تحكمه الكفاءات السياسية.
النائب الذي يفوز بأصوات عشيرته لا يرى نفسه ملزمًا أمام المجتمع الأوسع، بل أمام دائرة محدودة من أبناء قبيلته. وبذلك تتقلّص فكرة التمثيل الشعبي إلى تمثيلٍ مناطقي وعددي . او قد يكون تواصلي واتسابي في احيان اخرى وهكذا يتحوّل الناخب إلى وسيلة مؤقتة لا شريكًا دائمًا في صنع القرار.
يشكو المواطنون من أن معظم النواب لا يتواصلون معهم بعد الفوز وأن الزيارات الميدانية والمكاتب الشعبية لم تعد سوى ديكور انتخابي يُستخدم في مرحلة الدعاية فقط. وحين تنتهي الحملات، يختفي النائب كما لو أنه لم يمرّ من هنا، تاركًا وراءه شعورًا عامًا بالخذلان.
ويبقى تواصله وفق دائرة محدودة من مقربيه لاناخبيه
إنّ أخطر ما في هذا التحوّل أن الانتخابات فقدت جوهرها كممارسة ديمقراطية مستمرة، وأصبحت مجرّد سباق للحصول على مقعدٍ، لا لتحقيق برنامجٍ أو مشروع يخدم الناس.
ومع تكرار التجربة نفسها في كل دورة وعودية تواصلية تقوم على عبارة جمعة مباركة في تطبيق الواتس اب تضمحل هي الاخرى بعد تغيير رقم الهاتف حيث بدأت الثقة تتآكل وبدأت المشاركة الشعبية تتراجع لأن المواطن لم يعد يرى في الانتخابات وسيلة حقيقية للتغيير.
يرى متابعون ان استعادة ثقة الناس لا بدّ من تحويل التواصل إلى ممارسة دائمة مكتبية وهاتفية لا مجاملة انتخابية. فالنائب الذي يغلق هاتفه بعد الانتخابات، يُغلق معه باب الأمل بتمثيلٍ صادق لمجموعة بشرية هائلة احاطته بثقتها الوطنية وتمثيلها المتواصل لاالوقتي فالديموقراطية الحقيقية لا تُقاس بعدد الأصوات يوم الاقتراع، بل بمدى استمرار العلاقة بين النائب والناخب بعد أن تُطفأ أضواء المهرجانات الانتخابية.