الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التعليم الأهلي بين الفشل والنجاح

بواسطة azzaman

التعليم الأهلي بين الفشل والنجاح

حاكم الشمري

 

لم يكن التعليم الأهلي في العراق يومًا ترفًا، بل جاء استجابة لفراغٍ تركه ضعف التعليم الحكومي وتراجع بناه التحتية. فمن رياض الأطفال إلى الجامعات، تمددت المدارس والكليات الأهلية لتملأ المساحات التي عجزت عنها الدولة، لكنها في المقابل فتحت بابًا واسعًا للجدل حول جدواها، وعدالتها، وكلفتها الباهظة.

في البداية، كان التعليم الأهلي يُنظر إليه كرافدٍ مساعدٍ للتعليم الرسمي، يخفف الضغط عن المدارس الحكومية المزدحمة، ويوفر بيئة تعليمية أفضل، ومناهج أكثر مرونة، وانضباطًا إداريًا أعلى. غير أن هذا التصور سرعان ما تلاشى أمام الواقع المالي المرير الذي تعيشه الأسر العراقية.

فقد أصبحت الأقساط الدراسية، حتى في مراحل رياض الأطفال والابتدائية، ترهق ميزانية العائلة. وفي الجامعات الأهلية وصل الأمر إلى أن تتجاوز الأقساط السنوية قدرات الطبقة المتوسطة، لتتحول الشهادة الجامعية إلى امتياز طبقي لا علمي.

أما على صعيد الجودة، فإن الصورة متباينة. فهناك مدارس وجامعات أهلية راقية تقدّم مستوى أكاديميًا جيدًا وتنافس المؤسسات الحكومية في برامجها وتدريب كوادرها، لكن في المقابل، توجد مؤسسات أخرى لا تختلف كثيرًا عن «مشاريع تجارية» هدفها الربح قبل العلم، تفتقر إلى المختبرات والبنى التحتية، وتمنح درجات علمية دون رصانة كافية.

الخلل الأكبر لا يكمن في وجود التعليم الأهلي بحد ذاته، بل في غياب الرقابة الفاعلة والمعايير الوطنية الموحدة التي تضمن أن يكون التعليم الأهلي جزءًا من منظومة تطوير التعليم لا عبئًا عليه. فالإشراف الحالي شكلي في كثير من الأحيان، ولا توجد سياسة واضحة تحدد السقوف المالية للأقساط أو تراقب مخرجات التعليم فعليًا.

أما من الناحية الاقتصادية، فقد تحولت العملية التعليمية إلى سوقٍ مفتوحة تُدار بالعرض والطلب، بلا ضوابط تحمي حق الطالب وولي أمره. ومع غياب الدعم الحكومي، يجد المواطن نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما أن يرسل أبناءه إلى مدارس حكومية مكتظة وضعيفة التجهيز، أو يتحمل عبء أقساط التعليم الأهلي التي تزداد سنويًا دون مبرر واضح.

رغم كل ذلك، لا يمكن إنكار أن بعض التجارب الأهلية قدّمت نموذجًا ناجحًا في الإدارة والانضباط والابتكار في طرائق التدريس، وهي تجارب تستحق أن تُحتذى لا أن تُهاجم.

لكن السؤال الأهم يبقى: إلى أين يتجه التعليم الأهلي في العراق؟

الجواب رهنٌ بقدرة الدولة على رسم سياسة تعليمية وطنية تُوازن بين العام والخاص، وتضع ضوابط عادلة للأقساط، وتدعم المدارس الأهلية الجادة، وتحاسب المتاجرة بالعلم.

فالتعليم ليس سلعة، بل هو مستقبل وطن، ومن يُفرّط في تربية أجياله يزرع الجهل وإن لبس ثوب الرفاه.

 

 

 


مشاهدات 59
الكاتب حاكم الشمري
أضيف 2025/10/24 - 9:30 PM
آخر تحديث 2025/10/25 - 12:11 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 33 الشهر 16494 الكلي 12156349
الوقت الآن
السبت 2025/10/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير