الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين يختلج الضوء في فم الفرح

بواسطة azzaman

حين يختلج الضوء في فم الفرح

(تراتيل بلاد النايات والقصب)

شوقي كريم حسن

 

من فُتاتِ النورِ، تُقيمُ سومرُ جَسدَها،

تخرجُ من حنجرةِ الغبارِ نغمةً

تتدلّى على أكتافِ الصباح.

الأولادُ يمشون — لا على الأرض —

بل على رائحةِ الطباشيرِ القديمة،

حيثُ تنفتحُ الساعاتُ مثلَ رمانةٍ ناضجة،

تسقطُ منها الدقائقُ عاريةً من الغفلة.

في زقاقٍ مائلٍ نحو الحلم،

تتكئُ امرأةٌ على ظلِّ نافذة،

تهذّبُ شعاعَ الشمسِ بإبرةٍ من نَفَسها،

ترسلُهُ إلى الطريقِ كوشاحٍ

ليعرفَ الأولادُ طريقَهم إلى الحروف.

كلُّ حجرٍ …

يعرفُ اسماً نُسيَ في الكتب،

وكلُّ شجرةٍ تخفي وراءَها ضحكةً لأبٍ لم يَعُدْ.

الريحُ تمرُّ،

تسحبُ رائحةَ القصب من ذاكرةِ السلالم،

والأفقُ — يا ثالثَ الأسرارِ —

ينحني ليلثمَ أقدامَ العابرين نحو يومٍ آخر.

النهارُ يخطو على رؤوسِ الأسئلة،

كأنهُ طفلٌ تائهٌ بين أصواتِ الأجراس،

يجرُّ وراءهُ ظلَّهُ الطويل

مثلَ حبلٍ يربطُ الغيابَ بالحضور.

في ساحةِ المدرسة،

يتناثرُ صهيلُ الحروفِ من أفواهِ الأولاد،

كأنهم يُعيدون ترتيبَ الأبجديّة

على إيقاعِ أقدامهم الصغيرة،

يضحكون — فتتفتّتُ في الهواءِ

ذكرياتُ الحروب،

ويذوبُ البارودُ في ضوءِ نوافذِهم.

عصفورةٌ تهبطُ على سبّورةٍ مفتوحةٍ

كأنها آيةٌ ضلّت طريقها،

ترسمُ من جناحها سطراً من الغيم

ثم ترفرفُ — تاركةً للهواءِ معنىً جديداً للحرية.

في الجهةِ الأخرى من الذاكرة،

رجلٌ عجوزٌ يغسلُ وجههُ بالماء البارد،

يستمعُ إلى أصواتِ الصغار

تتسلّلُ من الشارعِ إلى قلبه،

يبتسمُ…

كمن يتذكّرُ أن الحياةَ

ما زالت تكتبُهُ بقلمٍ من ضوءٍ سومريّ.

يا سومر،

يا من يخرجُ الحنينُ من تحتِ أظافرِكِ مثلَ نبعٍ قديم،

كم نحتاجُ إلى صباحٍ آخر

يشبهُ أولئك الأولاد

حين يركضون

ولا يعرفون أن الأرضَ تتنفّسُ معهم.

الآن،

حين تميلُ الشمسُ على خاصرةِ المدينة،

يُفتحُ في الهواءِ جرحٌ من ضوءٍ،

ويخرجُ منهُ صوتٌ يشبهُ نشيداً نسيَهُ الأنبياء.

 

البيوتُ تصيرُ أوتاراً،

والأطفالُ نغماتٍ من طينٍ رطب،

تدورُ بهم الريحُ

كأنها تدرّبُهم على معنى البقاء.

سومرُ تخرجُ من ظلِّها،

تسيرُ فوقَ الماءِ الذي كتبَ اسمَها ذات فجر،

تحملُ بيدٍ رمادَ القرون،

وبالأخرى نُدفَ الأمل،

ثم تهمسُ في أذنِ الغياب:

“ما زلتُ هنا… في كلّ طفلٍ يضحكُ من فمِ الطين.”

حينَ يجنُّ المساءُ،

تغلقُ الأنهارُ عيونَها على ما رأت،

وتبقى القصيدةُ

تُصلّي في قلبِ الحجر،

أن يعودَ الغدُ —

غيمةً من نورٍ سومريّ،

تغسلُ وجهَ العالم،

تتركُ في فمِ الطينِ

ابتسامةً تُشبهُ الابد!!

 


مشاهدات 39
الكاتب شوقي كريم حسن
أضيف 2025/10/21 - 4:22 PM
آخر تحديث 2025/10/22 - 1:45 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 85 الشهر 14610 الكلي 12154465
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير