الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق على مفترق طرق إقتصادية

بواسطة azzaman

العراق على مفترق طرق إقتصادية

مجاشع التميمي

 

يبدو أن المشهد الاقتصادي في العراق يتجه نحو منعطف خطير، فبرغم الإيرادات النفطية التي تبلغ حدود سبعة مليارات دولار شهريًا، إلا أن ما يتبقى بعد تغطية النفقات الأساسية لا يكاد يُذكر. فالدولة تُنفق مبالغ ضخمة على دعم السلة الغذائية، والكهرباء، والمشتقات النفطية وغيرها من القطاعات الخدمية، لتجد نفسها مضطرة إلى اللجوء مجددًا إلى الديون الداخلية، التي بلغت اليوم نحو واحدٍ وتسعين تريليون دينار.

فخلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط، استدانت الحكومة ما يقارب خمسةً وثلاثين تريليون دينار، أُضيفت إلى الديون السابقة البالغة ستةً وخمسين تريليونًا. هذه الوتيرة السريعة في الاقتراض الداخلي تمثل مؤشرًا مقلقًا على هشاشة النظام المالي وضعف قدرة الدولة على إدارة مواردها بصورة مستدامة.

أما على صعيد الديون الخارجية، فقد كان لنادي باريس دور بارز في إسقاط معظم الديون التي ورثها العراق من النظام السابق، والتي بلغت 128 مليار دولار، ليبقى منها نحو 54 مليار دولار فقط. من هذا المبلغ، هناك 14 مليار دولار يُجرى تسديد 3 مليارات منها حتى عام 2028، وتشمل التزامات تجاه صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات المالية العالمية، فيما تبقى 40 مليار دولار أخرى في ذمة العراق لدول الخليج، التي رفضت إسقاطها عام 2008 رغم ضغوط صندوق النقد الدولي، لكنها حتى الآن لم تطالب بها رسميًا.

تكمن الخطورة اليوم في أن الدين الداخلي تضاعف بشكل غير مسبوق بعد عام 2014، إذ لم يكن يتجاوز حينها خمسة تريليونات دينار. الموازنات المتعاقبة، وخصوصًا الموازنة الثلاثية الأخيرة، سمحت بزيادة الاقتراض لسد العجز، الذي لم يعد تخطيطيًا فحسب، بل تحول إلى عجز فعلي يهدد الاستقرار المالي للدولة.

تغطية نفقات

المستقبل يبدو أكثر غموضًا، خاصة في ظل نية أوبك+ زيادة الإنتاج، مما قد يؤدي إلى هبوط أسعار النفط إلى 50 دولارًا للبرميل. عندها ستبرز التساؤلات حول كيفية تغطية النفقات، مع أن استيرادات العراق تتجاوز 80 مليار دولار سنويًا، ومعظمها تُنفق على السلع الاستهلاكية.

ومع الزيادة المستمرة في عدد سكان العراق الذي تجاوز 80 مليون نسمة ويتجه نحو 50 مليونًا خلال السنوات القليلة المقبلة، فإن الضغط على الخدمات والوظائف سيزداد، ما يجعل الإصلاح السياسي والاقتصادي ضرورة وطنية عاجلة.

الحل يكمن في إصلاح حقيقي وشامل، يبدأ من تنشيط الإيرادات غير النفطية، وضبط المنافذ الحدودية، وإصلاح النظام الجمركي، وتفعيل الجباية في قطاعات النقل والمصافي والملاحة الجوية. كما يجب أن يكون مجلس النواب فاعلًا في الرقابة ووضع الحلول، بدلًا من بقائه أسير التوافقات السياسية.

إن العراق اليوم أمام مرحلة اقتصادية وسكانية حرجة، تتطلب قرارات جريئة ورؤية وطنية تُعيد التوازن بين الإيرادات والنفقات، قبل أن تغرق البلاد في دوامة ديون وانفجار سكاني قد يهددان استقرار النظام السياسي برمّته.

 

 


مشاهدات 64
الكاتب مجاشع التميمي
أضيف 2025/10/21 - 3:47 PM
آخر تحديث 2025/10/22 - 1:48 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 87 الشهر 14612 الكلي 12154467
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير