الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التحوّل في المقاربة الأمريكية للعراق

بواسطة azzaman

التحوّل في المقاربة الأمريكية للعراق

عباس النوري

 

يهدف هذا البحث إلى تحليل أبعاد تعيين رجل الأعمال الأمريكي من أصول عراقية مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة في العراق، في سياق عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية. تتناول الدراسة هذا التعيين باعتباره مؤشرًا على تحوّل جوهري في فلسفة السياسة الأمريكية تجاه العراق، من الاعتماد على الوسائل العسكرية والدبلوماسية التقليدية إلى مقاربة اقتصادية براغماتية تسعى للهيمنة عبر الاستثمار، والموارد، وإعادة هندسة موازين القوى الداخلية، خصوصًا تلك المناهضة للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

1. مقدمة

منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ظلّت العلاقة بين بغداد وواشنطن محكومة بمعادلة مركّبة تجمع بين الوجود العسكري المباشر، والدعم السياسي، والمصالح الاقتصادية. غير أنّ التطورات الأخيرة، وخصوصًا تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للرئيس ترامب، تشير إلى تحوّل في طبيعة هذا النفوذ، إذ تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إدارة نفوذها من خلال القوة الاقتصادية الناعمة بدل الأدوات العسكرية الصلبة.

هيمنة عسكرية

2. فلسفة ترامب في السياسة الخارجية: من الهيمنة العسكرية إلى السيطرة الاقتصادية

ينطلق دونالد ترامب من رؤية براغماتية تُختزل في مقولة متكرّرة لديه: “أمريكا أولًا، والمصلحة قبل المبادئ”. فهو لا يرى في السياسة الخارجية مجالًا للأيديولوجيا أو الالتزامات الأخلاقية، بل منظومة استثمارية تُدار وفق منطق السوق: الربح مقابل التكلفة. ويعتبر ترامب أن الولايات المتحدة دفعت تكلفة عالية في إسقاط النظام العراقي السابق عام 2003 دون أن تحصد مقابلًا استراتيجيًا يعكس حجم استثمارها.

3. مارك سافايا: مبعوث اقتصادي بغطاء دبلوماسي

تعيين رجل أعمال من أصول عراقية مبعوثًا خاصًا يُعدّ خروجًا عن الأعراف الدبلوماسية التقليدية. فمارك سافايا لا يحمل خلفية سياسية أو عسكرية، بل يمتلك شبكة علاقات اقتصادية واسعة في قطاعات الطاقة والاستثمار داخل الولايات المتحدة. الهدف من هذا التعيين هو إعادة صياغة العلاقة الأمريكية – العراقية من علاقة أمنية إلى علاقة استثمارية تسعى من خلالها واشنطن إلى تعزيز حضورها الاقتصادي واحتواء النفوذ الإيراني عبر الاقتصاد.

4. الاقتصاد كسلاح بديل: السيطرة الناعمة على القرار العراقي

لم تعد الولايات المتحدة راغبة في الانخراط العسكري المباشر داخل العراق، وبدلًا من المواجهة مع الفصائل الموالية لإيران، تعتمد واشنطن على الضغط الاقتصادي والمالي كوسيلة لإعادة التوازن السياسي في الداخل العراقي. وتقوم هذه الاستراتيجية على ثلاثة محاور: المحور المالي، المحور الاستثماري، والمحور السياسي الاقتصادي.

5. البعد الإسرائيلي ومشروع الشرق الأوسط الجديد

يرتبط هذا التحول الأمريكي بمشروع أوسع يُعرف بـ“الشرق الأوسط الجديد”، الذي يهدف إلى دمج إسرائيل في المنظومة الإقليمية سياسيًا واقتصاديًا. تحجيم القوى العراقية المناهضة لإسرائيل يُعدّ مكسبًا استراتيجيًا مزدوجًا لواشنطن، إذ يحدّ من النفوذ الإيراني ويمهّد لتطبيع اقتصادي وأمني مستقبلي.

6. موقف الحكومة العراقية وإمكانات المواجهة

انقسام داخلي

قدرة الحكومة العراقية والقوى السياسية على التصدي لهذا التحول محدودة بسبب هشاشة الاقتصاد والانقسام الداخلي. بعض القوى الوطنية تدرك خطورة الهيمنة الاقتصادية الأمريكية لكنها تفتقر إلى استراتيجية موحدة لمواجهتها دون الوقوع في محور إيران.

7. الاستنتاج

يشكّل تعيين مارك سافايا نقطة تحوّل رمزية واستراتيجية في السياسة الأمريكية تجاه العراق، ويعبّر عن نهاية مرحلة النفوذ العسكري وبداية مرحلة الهيمنة الاقتصادية الذكية. فلسفة ترامب في التعامل مع العراق تقوم على تحويل الحضور الأمريكي من عبءٍ سياسي إلى مشروعٍ ربحي مستدام، يُعيد تموضع الولايات المتحدة كلاعب اقتصادي أول في المنطقة.

الخاتمة

تعيين مارك سافايا ليس حدثًا إداريًا فحسب، بل علامة فارقة على أن الولايات المتحدة تُعيد صياغة أدواتها الاستراتيجية في المنطقة. العراق بالنسبة لترامب ليس ساحة حرب بل سوق مفتوحة، والسيطرة عليه اقتصاديًا أكثر جدوى من احتلاله عسكريًا. هذه المعادلة الجديدة تتطلب وعيًا سياسيًا وسياديًا عاليًا لتفادي الوقوع في فخ التبعية الاقتصادية المقنّعة.

 


مشاهدات 61
الكاتب عباس النوري
أضيف 2025/10/21 - 3:46 PM
آخر تحديث 2025/10/22 - 2:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 87 الشهر 14612 الكلي 12154467
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير