زيارة تاريخية إلى متحف حلبجة
رجاء حميد رشيد
خلال تغطيتي لفعاليات مجتمع مدني التي استمرت لمدة ثلاثة أيام في محافة السليمانية ، وبعد اختتام اعماله نُظّمت رحلة تاريخية إلى مدينة حلبجة، شملت زيارة لمتحف حلبجة(مورميد حلبجة) الذي تم افتتاحه عام 2003 على يد الرئيس الراحل جلال طالبان، وقد أُقيم المتحف ليكون شاهداً دائماً على الفاجعة التي حلّت بأهالي حلبجة، ولتذكير الأجيال بما تعرضت له المدينة من قصف كيمياوي، حتى لا تُنسى هذه المأساة الإنسانية،واستقبلتنا السيدة كشور مولود حماويس، إحدى الموظفات في المتحف، والتي كانت شاهدة على الفاجعة وناجية منها، ورافقتنا في جولة مفصلة داخل القاعات، موضحة رمزية كل جزء من المعروضات.
أوضحت كشور، إن تصميم المتحف من الخارج يحمل رمزية عميقة، فالأيدي المرفوعة ترمز إلى الدعاء لله لإنقاذ أهالي حلبجة، في حين تمثل القباب جراح المدينة، حيث أن شكلها يُحاكي شكل الصواريخ أثناء انفجارها.
وتابعت ، يتكون المتحف من خمس قاعات رئيسية:
قاعة تذكارية حلبج:وتعرض صوراً ووثائق تاريخية من عام 1917 حتى عام 1970.
قاعة فاجعة الكيمياوي: تضم تماثيل ترمز إلى الشهداء من الرجال والنساء والأطفال الذين سقطوا في قصف 16 آذار 1988.
بيوم القصف
قاعة قلب حلبجة: تعرض أسماء الشهداء البالغ عددهم 5 الاف، والمفقودين الذين يقدر عددهم بحوالي 200 شخص، كما تحتوي على نصب رمزي يمثل شهر آذار (قطر القاعدة 3 أمتار، تحيط بها 16 قطعة تشير إلى يوم القصف 16/3، ويبلغ ارتفاع النصب 19.88 متراً تعبيراً عن سنة القصف 1988).
قاعة الصور الحقيقية: تحتوي على صور التُقطت أثناء القصف من قبل الصحفي الإيراني د. أحمد ناطقي، وتوثق 36 مقبرة جماعية في المدينة.
قاعة الوثائق: تعرض وثائق نادرة، منها:الحبل الذي أُعدم به (علي حسن المجيد) المعروف بالكيمياوي في 25/1/2010.القلم الذي وقع به القاضي حكم الإعدام.حلي ذهبية تعود لعروس استُشهدت يوم زفافها.الكاميرات التي استخدمها مصورون لتوثيق الفاجعة وهم: رمضان أوسترك (كردستان تركيا)، ستيفان هيرتن (السويد)، إحسان رجبي (إيران).نعال جواد كاظم (أبو تحسين) الذي ضرب به صورة صدام حسين يوم سقوطه في ساحة الفردوس بالعاصمة بغداد، وثائق صادرة عن محكمة بغداد أعادها المحامي بكر حمه صديق في سنة 2013، تتعلق بالقصف والنفي إلى نقرة السلمان، طوب زاوة، عرعر، وكردجال.
وتضم القاعة وثائق حي كاني عاشقان في حلبجة، حين خرج طلاب المدارس في مظاهرات في 13/5/1987، فتدخل الجيش وتوجه المتظاهرون إلى حي كاني عاشقان، بعد ذلك، هاجم الجيش المنطقة، فقتل العديد من المتظاهرين وسكانها، ودمّر البيوت والمنطقة بأكملها، أُصيب عدد كبير من الطلاب والأهالي، ونُقل المصابون إلى المستشفى، وفي الليل، وصلت سيارات عسكرية إلى المستشفى، وأخذت الجرحى الراقدين ومرافقيهم، ثم قاموا بدفنهم أحياء، وبلغ عددهم 73 شخصاً.
كما تحتوي على أرشيف من الصحف والجرائد الأجنبية التي أدانت القصف، مع غياب أي موقف عربي رسمي في حينها.
شهادة شخصية من الناجية كشور
روت السيدة كشور تفاصيل القصف قائلة: في 16 آذار 1988، بدأ القصف الساعة العاشرة صباحاً بالصواريخ الثقيلة، لكسر النوافذ والأبواب لتسهيل دخول الغاز الكيمياوي، كنت حينها بعمر 17 عاماً، متزوجة، وواقفة مع والدتي أمام المنزل، شعرنا وكأن زلزالاً ضرب المدينة، ثم عاودوا القصف في الساعة (11:35 صباحاً) تم القصف مجدداً بالكيماوي. لجأنا إلى الملجأ في بيتنا حتى الساعة الثانية ظهراً، ثم هربنا انا وزوجي واهلي إلى جبال عبابيلي، مشياً على الأقدام بعد ترك السيارة ، من أصل 76 ألف نسمة، استُشهد 5000، وأُصيب 10000، ونجا الباقون، لكن معظمهم أُصيبوا بالعمى ، لجأنا إلى إيران حيث وفّرت لنا جمعية الهلال الأحمر مخيمات في 19 منطقة، من سيرياس قرب حلبجة حتى كرمان قرب الفاو في البصرة.
وأضافت: حتى اليوم لدينا 700 شهيد في إيران لم تُستعد جثامينهم، ودُفن بعضهم في مقبرة الزهراء في طهران، أما أنا، فأقمت في مخيمات جوانبو، سنغور، هيرسي، وكاميران.
النفي والعودة
في 1/10/1988، سُمح لأهالي حلبجة بالعودة إلى مدينتهم، لكن سرعان ما تم نفيهم إلى مناطق جنوبية قاحلة مثل نقرة السلمان، عرعر، وكردجال قرب أربيل، حيث عاشوا بلا أي خدمات. بعد سنتين، ومع بدء حرب الخليج الثانية (1990)، خفّت القيود عنهم، وعادوا إلى السليمانية. تقول كشور: لولا حرب الكويت، لكان صدام حسين قد قتلنا جميعاً ودفننا أحياء، فقد بنى لنا سجناً حقيقياً.
وتابعت ،لا تزال آثار القصف مستمرة حتى اليوم، هناك 36 مقبرة جماعية في حلبجة ومحيطها، من بينها واحدة تضم 1500 شهيد وأخرى 400 شهيد. وتُظهر تقارير طبية أن العديد من الوفيات الحالية ما زالت بسبب آثار الكيمياوي.
وأضافت :أنا مصابة بالسرطان، وأراجع مستشفى هيوا في السليمانية، الذي يغص بالمرضى من حلبجة، كثير من الأطفال فقدوا عائلاتهم بالكامل، وهناك اليوم 50 شخصاً في حلبجة فقدوا جميع أفراد عوائلهم خلال فاجعة حلبجة.وتشير إلى موظف يُدعى كاك أكرم، استشهدت عائلته كلها في سيارة “بيك أب”، وصورهم معلّقة داخل المتحف.
الوضع الحالي وأمنية للمستقبل
رغم المأساة، عبّرت كشور عن فرحتها بتحوّل حلبجة إلى محافظة عراقية، مشيدةً بصمود الأهالي الذين تحدّوا الموت والهجرة والنفي، وأشارت إلى أن حلبجة، مثل الموصل والكويت، كانت في البداية قضاءً، وأصبحت محافظة بعد سنوات طويلة، والاجمل انها اليوم تُدار من قبل امرأ، فنساء حلبجة مناضلات بطلات قويات، وناشدت الحكومة العراقية بضرروة الأهتمام بحلبجة وتوفير الخدمات والمستشفيات وفتح المعامل فيها لإعادة الحياة.
وختمت حديثها بأمنية: أتمنى أن يُنقل هذا المعرض إلى بغداد ويُعرض في البرلمان العراقي، وقد طلبت ذلك من مسؤولين زاروا المتحف، لكن للأسف، لم يتحقق هذا الحلم حتى الآن.