فم مفتوح .. فم مغلق
في عيد الصحافة نستذّكر (برقيّة)
زيد الحلي
في ضوء ضياع اللبّ وتسيّد القشور، أصبحنا في حيرة من أمرنا؛ فأينما يمّمنا شطرنا، اصطدمنا بما يؤذي ذائقتنا، ويعمي أبصارنا، ويهيل التراب على ذاكرتنا، خصوصًا في مجال الإعلام المتعالي عن الضغائن!
وحسنًا فعل صديقُنا وزميلُنا صباح اللامي، حين شمّر عن ساعديه وأطلق صحيفة إلكترونية عراقية تُعنى بالإعلام. ولا يخفى على أحد، أن الشروع بمثل هذه الخطوة يحتاج إلى أدوات تنفيذية عديدة، من فنيين متخصصين في البرمجيات وتصميم المواقع، وإلى أموال كي يصمد المشروع في وجه فيضان الضحالة الذي أخذ ينهش في جسدنا باسم (الإعلام).
واللامي، كما نعرف، يحمل كل أدوات الحرفية العالية في الإعلام، ولا سيّما في جانبه الصحفي المتكئ على تجربة ثرية امتدت لعقود من الزمن. لكنه، في غربته الكندية، كان خالي الوفاض من الناحية المالية، غير أنه بادر وتوكّل على الله، معتمدًا على سيرورته ومدرسته الصحفية، فتهيّأ لنا موقعه «برقيّة» ليكون مصدرًا مهمًا في الإعلام المعتمد على النوع الرصين، لا على الكثرة الزائفة.
وكأنّي أسمعه يقول: (أقفلتُ باب بيتي وفتحتُ باب قلبي، فغصّ بيتي بالزائرين الطيبين). وسعدنا أن نكون من زائريه الأوائل.
في موقع «برقيّة» تتجادل الأفكار في محيطها الواسع، وتسمح لمتلقيها بأخذ المفيد منها وترك الغثّ (إن كان هناك غثّ)، والابتعاد عنه ضمن طروحات بعيدة عن التعصّب، نائية عن ضيق الأفق المريض. ويسعى الموقع، بقلم مؤسسه وأقلام كُتّابه، لأن يكون شاهدًا وتوثيقًا لتاريخ إعلام إلكتروني عراقي جديد؛ مؤكدًا أن الإعلام الواعي هو الجسر الذي تنعقد عليه تجربة إعلام مقارن، يُغني المتلقين من كل الأطياف، وهو النقطة التي تتلاقى عندها أشعة الإعلاميين من كل طرف لتضيء كلٌّ منها بنور جديد.
إنني، ورغم عملي الطويل في الصحافة، لا أزال أحمل رهبة السطر الأول في الكتابة.. ومرات عديدة حاولت الهروب من الورقة البيضاء التي أمامي، وبالمقابل، أشعر بالغضب والعجب لأناسٍ ولجوا عالم «الكتابة» منذ فترة قصيرة، وإذا بهم يُصرّون على حمل لقب «إعلامي»!
إن الإعلام مركزه الضمير، والضمير يرتكز على الحرية والمعرفة والثقافة والوعي. وكلّ من لا يحمل القيم النبيلة، لا يُعدّ إعلاميًا مهما كانت أداة التعبير لديه راقية.
ومن متابعتي لموقع زميلنا اللامي، «برقيّة»، وجدتُ أن الضمير المُعطى هو ينبوعه، والضمير المُتلقّي هو التربة الصالحة التي يتفاعل فيها.
تحيّاتنا لأبي سيف ونحن نحتفل بعيد الصحافة العراقية.
Z_alhilly@yahoo.com