قراءة في كتاب ديبلوماسية الطاقة في الشرق الأوسط
سوزان أبو حسن
كاتبة ومترجمة من لبنان
صدر حديثًا كتاب، عن دار L'Harmattan في باريس – فرنسا (2025)، بعنوان "ديبلوماسية الطاقة في الشرق الأوسط وعلى ضفتي المتوسط"، شارك فيه مجموعة متميزة ضمت 11 باحثًا وخبيرًا في مجال الطاقة والقانون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، وهو من إعداد الدكتور نيكولاس بدوي.
قدّم للكتاب البروفيسور عدنان شهاب الدين، المدير العام التنفيذي ومدير مركز البحوث السابق في منظمة أوبيك، وجاء فيها "الطاقة هي إحدى أهم القوى المصيرية التي ترسم المشهد العالمي اليوم، والتي يتفرّع منها الاقتصاد والنفط والتطور التكنولوجي والتقدم المستدام على كوكب الأرض...".
وأضاف شهاب الدين أن الكتاب يسعى لاختبار الدور المتطور للطاقة في الديبلوماسية العالمية، ويقدّم رؤىً للاستراتيجيات والتحديات التي يواجهها العالم عبر عملية التحول في مجال الطاقة".
واختتم مقدمته بالقول "أن هذا الكتاب يستكشف كيف أن مصادر الطاقة المختلفة تساهم في رسم شكل العلاقات الدولية وتحديد ديناميكية القوى المؤثرة فيها، كما أنها تدخل في صلب بؤر التوتر بين المنتج والمستهلك وتوازن بين القوى الناعمة والقوى الصلبة عبر المفاوضات، وذلك عبر تقديم دراسات شاملة حول دبلوماسية الطاقة والمواضيع المرتبطة بها... ويوفر الكتاب للقرّاء فهماً أعمق عن كيفية تأثير الطاقة على عالمنا المترابط، إنه دعوة للاعتراف بأهمية استراتيجيات الطاقة في تعزيز التعاون، وإدارة وتخفيف النزاعات، وبناء مستقبل مستدام قدر الإمكان".
وفي تمهيده للكتاب تناول دكتور نيكولاس بدوي، الأكاديمي والأستاذ في جامعة القديس يوسف في لبنان، كيف أن دبلوماسية الطاقة تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل ديناميات العلاقات الدولية، بالتأثير على الاستقرار العالمي، والنمو الاقتصادي، واستدامة البيئة، مع اعتراف الدول بأن موارد الطاقة ليست فقط ضرورية لتطويرها الاقتصادي، بل أيضًا لأمنها القومي باعتبارها مسألة مركزية.
وأضاف بدوي: "إن التحول نحو الطاقة المتجددة والحاجة الملحة للتصدي لتغيرات المناخ أدخلت تحديات وفرصًا جديدة لدبلوماسية الطاقة، وذلك يتطلب من الدول، وبشكل متزايد، التعاون في المبادرات العالمية التي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون، ومشاركة التكنولوجيا، والاستثمار في تعزيز البنية التحتية للطاقة المستدامة".
وفي بحث للدكتور ماجد المنيف، رئيس جمعية اقتصاديات الطاقة والأمين العام للمجلس الاقتصادي الأعلى في المملكة العربية السعودية، الموسوم " مجلس التعاون الخليجي وتطور دبلوماسيات الطاقة والمناخ"، أشار في المقدمة إلى "أن دبلوماسية الطاقة العالمية تغيرت على مر السنين. وبدأ هذا التغيّر في بدايات القرن العشرين باكتشاف النفط وتطور وسائل النقل البحرية والبرية، مع سعي الدول للهيمنة على البحار ضد منافسيها الألمان...".
وسلّط الضوء أيضًا على ديبلوماسية الطاقة في القرن العشرين وأهميتها، وعلى التزام دول مجلس التعاون الخليجي باتفاقية باريس للمناخ "... التي حدّدت أهدافًا لانبعاثات الكربون في خططها الوطنية، مع التركيز بشكل رئيسي على توليد الطاقة، وهو أكبر قطاع يُصدّر ثاني أكسيد الكربون في المنطقة، بينما تواصل الدول استغلال الخصائص التقنية والبيئية لصناعات النفط لديها، فإنها تشارك أيضًا بشكل فعال في مفاوضات المناخ الدولية ومبادرات أخرى تتعلق بتغير المناخ، حيث تتنوع التزاماتها من أهداف محددة للطاقة المتجددة في توليدها إلى تحقيق صفر انبعاثات بحلول عامي 2050 و2060...".
وفي دراسة قدّمها الأكاديمي والمفكر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان، نائب رئيس جامعة اللاعنف في لبنان، بعنوان "ديبلوماسية الطاقة بين القوّة الناعمة والقوّة الصلبة"، أكّد فيها على أن النفط والغاز هما جوهر الصراع في الشرق الأوسط، خصوصًا وأن الدول الكبرى سعت لوضع اليد على منابعهما، حيث احتدم الصراع الدولي عشية الحرب العالمية الأولى وبُعيدها".
وكتب شعبان "ثمة نظرية ظهرت منذ أكثر من قرن من الزمن مفادها أن من يضع يده على النفط يسيطر على العالم، فوقود الغواصات منه والدبابات والطائرات لا يمكن تشغيلها بدون البنزين، أما المحركات والعجلات فسيكون اعتمادها عليه، ولهذا فمن يسيطر عليه سيصبح سيّداً على العالم".
كما تناول التطور التاريخي في العلاقات الديبلوماسية و"أهمية ديبلوماسية الطاقة كجزء من القوة الصلبة أي بإمكانها عرقلة أو إفشال العلاقات بين الدول، كما يمكن استخدامها كجزء من القوّة الناعمة، أي وسيلة لمدّ الجسور والتفاهم والتعاون بما يخدم السياسة الخارجية للدولة، خصوصًا وثمة ديبلوماسيات أخرى يمكن تعضيدها وتعميق تأثيرها...".
وسلط الضوء في قسم من بحثه على السياسات والاستراتيجيات الأمريكية في عهد دونالد ترامب (الأول والثاني)، خصوصًا رغبته في وضع اليد على دول حليفة للولايات المتحدة، مثل كندا وغرينلاند التابعة للدانمارك، وأضاف شعبان "... هذه العوامل ترتكز على محاولة واشنطن زيادة مواردها وتوسيع مصالحها النفطية في عدد من مناطق العالم... وهكذا فإن ديبلوماسية الطاقة، النفط والغاز تحديدًا، مازالت تشكّل محور التنافس الدولي للحصول على مناطق النفوذ، خصوصًا بصعود التنين الصيني ومحاولة الدب الروسي التحالف معه لمواجهة العملاق الأمريكي وحلفائه".
الجدير بالذكر أن هذا الكتاب هو الكتاب الثالث في سلسلة كتب صدرت باللغتين الفرنسية والإنكليزية تتعلق بالديبلوماسية وأهميتها، الأول تناول الديبلوماسية الثقافية والاقتصادية، أما الثاني فقد تحدّث عن الديبلوماسية الدينية وأهمية الحوار في الشرق الأوسط.
والكتاب الثالث يتألف من 184 صفحة من القطع الوسط، وشارك فيه، بالإضافة إلى الأسماء المذكورة في أعلاه، الباحثة في العلاقات الدولية الأستاذة لينا العثماني (المغرب) والمفكر والباحث الدكتور محمد الرميحي (الكويت) والباحث الاقتصادي الدكتور رضا شقندالي (تونس) والمهندس البيئي المستشار ريكاردو خوري (لبنان) والخبير الأستاذ غابي دعبول (لبنان) والخبير الفرنسي الأستاذ ألان أرنو والخبير البيئي الأستاذ أنطوان وارنيري (فرنسا - سويسرا).
كتاب "ديبلوماسية الطاقة" غني بالأفكار ومتنوّع بالمعلومات وتمتاز أبحاثه ودراساته بالشمولية المعمقة التي تهم القارئ العربي لمعرفة دور الطاقة الحاسم (النفط والغاز) بعملية الصراع في منطقتنا.