الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أبو عمر.. آيقونة في الذاكرة

بواسطة azzaman

كلام أبيض

أبو عمر.. آيقونة في الذاكرة

جليل وادي

 

لم أر في حياتي التي تجاوزت الستين عاما رجلا شغوفا بعمله وأمينا على المال العام مثل أبي عمر المهندس الزراعي جبار عبد علي مدير مفقس شركة دواجن الغالبية في محافظة ديالى الذي لا يمكن وصفه الا بالمدرسة في ادارته لهذا المفقس الذي كان يغذي جميع الحقول الحكومية من زاخو حتى الفاو بأفراخ الدجاج البياض في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ولا أذكر طوال مدة عملي معه مذ كنت طالبا في الاعدادية وحتى تخرجي من الجامعة ان انخفضت نسبة التفقيس عن (90 بالمئة) الا ما ندر، ولم يأت ذلك من فراغ ، بل نتيجة طبيعية لمتابعته اليومية الحثيثة لسير العمل بجميع مفاصله بدءا من ادارة (40) عاملا وانتهاء بمراقبة مكائن الحضن والتفقيس البالغ عددها (72) حاضنة و (12) مفقسة بمعدل تفقيس (174) الف فرخ من الاناث والذكور بين يوم وآخر، فتوزع الاناث على الحقول في المحافظات بحسب جدول زمني محدد، بينما تتلف الذكور بسبب بطء عملية نموها وكثرة استهلاكها للأعلاف

ومن أبي عمر تعلمنا ان الاخلاص بالعمل باب من أبواب الرزق، وان اتقان مهارات المهنة تجعل صاحبها مطلوبا في أي مشروع مماثل، وان التنظيم الدقيق يمكنّك من الوصول الى أهدافك بأسرع وقت وأقل كلفة وأيسر جهد، وانك بالانجاز الواضح والمميز يتعذر على ضعاف النفوس والفاشلين النيل منك.

اعجابنا بالأداء الذي نراه في ادارة أبي عمر جعلنا نحاكيه بوصفه نموذجا ، وبخلقه الرفيع امتلك قلوبنا، فبادلناه مشاعر الحب والاخوة حتى صار صديقا متجاوزين معه الحواجز بين العامل والمسؤول باستثناء الاحترام والتقدير، ما حفز فينا الرقابة الذاتية على عملنا من دون التحسب للمسؤول، وبذلك نجح المشروع نجاحا لافتا مذ تولاه ابو عمر وحتى احالته الى التقاعد.

ولولا هذا الرجل الكريم ما كان بمقدوري اكمال دراستي الجامعية، فعندما أبلغته بضرورة ترك العمل بسبب قبولي في جامعة بغداد رفض طلبي، ورتب لي وضعا في العمل أتواجد فيه بعد انتهاء دوامي الجامعي ، بينما يقوم هو شخصيا بمتابعة واجباتي ريثما اعود من الدراسة، ولا يمكنني بحال ان أنسى هذا الفضل، ذلك ان الاستمرار بالدراسة يقتضي الكثير من النفقات التي يتعذر توفيرها بسبب سوء وضعي المالي حينذاك، وعندما يكلف بواجب او اجتماع في العاصمة يصحبني معه ويوصلني الى باب كليتي بسيارته، وافترقنا بعد التخرج والتحاقي بالخدمة العسكرية واحالته الى التقاعد ، وضاعت عليّ أخباره منذ انتقاله للسكن في بغداد حسبما علمت لاحقا، ولم أره منذ ذلك الحين ، اي منذ أكثر من ثلاثة عقود.

لقد وفر لي عملي المسائي وقتا جيدا لمتابعة دروسي والتفوق فيها على زملائي في قسم الاعلام بكلية الآداب، اذ نلت المرتبة الأولى في فرع الاذاعة والتلفزيون، ولطالما سألني ابو عمر عن دراستي، وكثيرا ما رأيت السعادة على محياه عندما أخبره بالدرجات التي حصلت عليها في الامتحانات ، حتى بت أتساءل مع نفسي: أي منا معجب بالآخر. وما مررت يوما من أمام الشركة الواقعة على طريق بغداد الا وتمنيت رؤية هذا الرجل الذي جسد الوطنية بالأعمال وليس بالأقوال، وفي الوقت نفسه تتكسر الحسرات في صدري لشيئين : أولهما رغبتي العارمة بإخبار ابي عمر بأني حصلت على الدكتوراه وصرت استاذا جامعيا، واني ثمرة من ثماره الكثيرة، والآخر: حسرتي على هذه الشركة التي دمر الجاهلون حقولها الستة ومفقسها الكبير بنهب مكائنها وسقوفها ومعداتها التي أنشأتها شركة فرنسية على أحدث المواصفات منتصف السبعينيات، مع ان غالبية العاملين فيها من أبناء المنطقة الذين يعاني أبنائهم من البطالة حاليا

أشدت كثيرا باخلاص هذا الرجل والدور الفاعل للشركة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من أفراخ الدجاج البياض في أي مكان يجري الحديث فيه عن هذه الشركة، وفاء لجميله، وهو دين لا ينساه الا من رضع حليبا غير طاهر، ولكي لا ينقطع سبيل المعروف،  له ولجميع المخلصين في عملهم أقول: بكم تفخر الأوطان.

 

jwhj1963@yahoo.com


مشاهدات 106
الكاتب جليل وادي
أضيف 2025/06/14 - 4:46 PM
آخر تحديث 2025/06/15 - 12:08 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 305 الشهر 9746 الكلي 11144400
الوقت الآن
الأحد 2025/6/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير