الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المرتكزات الاساسية في نقد الرواية القصيرة جدا


المرتكزات الاساسية في نقد الرواية القصيرة جدا

حميد الحريزي

 

بما ان الرواية القصيرة جدا هي نوع جديد من انواع جنس الرواية فلابد ان تكون لها توصيفات ومحددات تميزها من الأنواع الأخرى لجنس الرواية ، ويكسبها مواصفات خاصة وعلامات فارقة تميزها عما حولها من الأجناس والأنواع الأدبية السردية المجاورة  الأخرى، فالرواية القصيرة جداً لايميزها الطول فقط عن الرواية الطويلة والرواية القصيرة وهذا ما قد يظنه أو يتبناه بعض الأدباء من الروائيين ومن ضمنهم من يظن انه كتب رواية قصيرة جداً إعتماداً على الطول وعدد الكلمات والصفحات فقط  وهذا غير صحيح...

فكونها وصفت بالرواية يجب أن تتوفر فيها جميع اشتراطات الرواية المعروفة والمتفق عليها من قبل أغلبية النقاد وفي مقدمتها :-

تعدد الشخصيات فلايمكن أنْ توصف بتوصيف الرواية إذا اختصرت على شخصية واحدة وحتى بشخصيتين حيث تقترب هنا وتتداخل مع القصة الطويلة والقصيرة على حد سواء التي تتميز بعدم تعدد الشخصيات وتناغي النوفيلا والنوفيلا ليست رواية كما كتبت عالمياً وعربياً على الرغم من سيادة هذا الفهم الخاطيء للنوفيلا كونها مطابقا للرواية.وهنا يجدر بنا أن نميز بين الرواية ، والنوفيلا والمايكرو نوفيلا في الأدب العربي والكتابة باللغة العربية، هذه اللغة التي تمتلك قدرةهائلة على التميير الدقيق بين معاني وإيحاءات الكلمات والمفردات ، وكذلك تميزها بغنى المرادفات اللغوية وما تمتلكه من قدرة على الترميز والتلميح والأيحاء دون التصريح، مما يكسبها القدرة على الأختصار في اللفظ وغنى المعنى وهذا ماعجزت عنه أغلب اللغات المعروفة في العالم ومن ضمنها اللغة الايطالية التي لجأت من اجل بلوغ درجة مقبولة من الاختزال كانت الى ابتداع(النوفيلا) حيث يعود بنا اصل كلمة نوفيلا الى اللاتينية novusبما يعنى الجديد المتعارف عليها ، وبذلك  نستنتج  ان النوفيلا لاتساوي الرواية ، والشورت نوفيلا لاتساوي الرواية القصيرة جدانوفيلا كش وطن ونوفيلا سارق العمامة  للروائي العراقي زيد الشهيد)) التي امتازتا بالسخرية والتهكم ومحدودية شخصياتها  اما بالنسبة لرواية (هذيان محموم) القصيرة جداً وغيرها لكتاب الرواية القصيرة جدا في العراق والوطن العربي فقد توفرت فيها كل اشتراطات الرواية ، كرواية قصيرة جداً،وليست نوفيلا ولا شورت نوفيلا وهي تسمية غير دقيقة فلا توجد بالمقابل لونك او نوفيلا طويلا ، وكذلك لاتوجد ماكرو نوفيلا مقابل المايكرو نوفيلا !!!فهي نوفيلا وكفى، في حين توجد كل هذه التصنيفات في الرواية.  

روايات تيشخوف القصيرة بانها رواية قصيرة جدا من حيث الأسلوب وطريقة الكتابة والحجم  وان لم يصنفها هو برواية قصيرة جدا ، وكذلك   النص السردي لغارسيا ماركيز (الرجل العجوز ذي الجناحين الطويلين) يمكن اعتباره برواية قصيرة جدا  ضمن توصيفاتنا للرواية القصيرة جدا ...

مما يسقط ادعاء من يرى أن الشورت نوفيلا هي الرواية القصيرة جدا كما وصفوا ووصموا بعض النصوص السردية لكتاب  غربيين بأنها شورت نوفيلا وهي روايات قصيرة جدا على الرغم من ان  لاكتابها ولا نقادها وصفوها بهذا التوصيف بل هي وصفت كروايات قصيرة كما عند تيشخوف  وهمنغواي  في الشيخ والبحرواوريل في مزرعة الحيوان ، وكافكا في المسخ...

احيانا يتم الخلط بين القصة والرواية في التسمية دون التمييز بينهما فلوكانت القصة هي غرفة واحدة في عمارة ن فالروايةهي العمارة بكامل طوابقها وغرفها ، وبذلك يتم التمييز بين الرواية القصيرة جدا والقصة الطويلة أو القصيرة والقصيرة جدا ...

لابد أن تتضمن الرواية القصيرة جدا تعدد الشخصيات ، وان كانت الشخصية المركزية هي المهيمنة على السرد ،ويكون دور الشخصيات الثانوية محددا وخفيف الظل من حيث عدد وحجم وطول الحورات والتوصيفات  للشخصيات ما عدى العلامات الفارقة والمميزة للشخصية عن غيرها من بني البشر بصفاتهم السائدة القومية والعرقية والجنسية ...

وتعدد الشخصيات يستلزم تعدد الحورات بين مختلف الشخصيات الثانوية فيما بينها وبين الشخصية المركزية  مع الالتزام بدرجة عالية من الحذف والاختزال (خير الكلام ما قل ودل ) ووفق مقولة الجرجاني ( جوع اللفظ واشبع المعنى)، وجواز الترميز والتلميح دون الإسهاب والتصريح بما يفي بايصال المعنى دون اسهاب واطناب ودون الايغال في الغموض يجب ان يكون جسد الروايةالقصيرة جدا  ضامرا وليس مترهلا...سهلا ممتنع وليس مبتذلا .

الرواية القصيرة جدا قادرة لاحتواء كافة الثيمات الروائية ولا تقتصر على التهكم والسخرية  والتعبر عن مأساة كما في (النوفيلا)

ومن اهم صفات الرواية القصيرة جدا هو ترك مساحات بيضاء من حصة المتلقي القاريء ضمن السرد كمؤلف ثان يقوم بأشغالها ضمن مخيلته ومستوى أطلاعه وثقافته وجديته في فهم النص في عالم أصبح معروف المعالم كشعوب وحضارات وميزات ، فعالم الفضائيات والانترنيت واليوتيوب والذكاء الاصطناعي وتطور وسائل السفر وضروراته بين مختلف قارات العالم سهل على المتلقي المؤلف الثاني ملأ الفراغات المتروكه من قبل المؤلف الأول  ولا داعي لأعادة تعريف المعروف والمعرف...

ضرورة توفر ميزة التنقل والتنوع في المكان والزمان في الرواية باعتبارها سرد للتحولات والتبدلات الزمكانية بالنسبة للشخصيات والأحداث والظواهر...

وحينما يستوفي الناقد هذه الأشتراطات في النص السردي الماثل أمام ناظريه يصدر حكمه بأن هذا النص السردي هو رواية قصيرة جدا،مع التزامه بالحد الأدنى والحدالأعلى للكلمات حتى لاتختلط مع الرواية الومضة ولا تقترب كثيرا من عدد كلمات الرواية القصيرة حسب طولها وعدد كلماتها المعروف والذي لايقل عن 7000 كلمة ...

نحن بما تقدم لانفرض مساطر قياس صارمة  المقاس والحدود ولكننا نحدد الخارطة الجينية للنص لنميز بين نوع روائي واخر من انواع جنس الرواية ، ولسنا مع مقولة الميوعة النوعية  والاجناسية بين الابداعات الادبية  مما يفقدنا التوصيف والتعريف للمنتج الابداعي لتعن الفوضى وهذا لايخدم متطلبات الابداع والجمال  ويفقد التمييز بين خالق النص الحاذق المبدع العارف والواعي لما يبدع وبين الكاتب الفوضوي بدعوى تداخل ألانواع والاجناس الأدبية وعلى الرغم من صحته ولكن يجب الا يعني العدم وذوبان كل جنس في الجنس والنوع الثاني...

*وبعد أن يستكمل الناقد وضع كل ماتقدم من مواصفات الرواية القصيرة جدا  كخارطة جينية عامة  ينتقل الى التوصيفات الأبداعية للنص المدروس من حيث أسلوب السرد وثراء اللغة المستخدمة وشعريتها ومدى قدرتها واستجاباتها للتعبير الأمثل للمعنى ورسم الصورة ودقة الحدث ...

فحص قدرة المؤلف الأول على التعبير عن الأحداث والسلوكيات والظواهر بشكل فني رفيع بعيدا عن السرد الخبري الممل وهذه قدرة وكفاءة تميز مبدع عن آخرمن حيث سعة الخيال وعمق التجربة والبراعة والفطنة في التقاط الحدث والصورة وصياغتها فنيا.

كذلك ملاحظة ثيمة الرواية وهل هي من المكرر والمعاد او من الثيمات المبتكرة الجديدة  التي تحمل رسالة بليغة،وحتى قدرة المبدع على بث روح التجديد الغير مكرر، حتى في الثيمة المعادةالتي يتمكن الروائي المبدع صياغتها باسلوب جديد وشكل مبتكر جذاب ....


مشاهدات 61
الكاتب حميد الحريزي
أضيف 2025/05/16 - 7:41 PM
آخر تحديث 2025/05/17 - 6:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 349 الشهر 20875 الكلي 11014879
الوقت الآن
السبت 2025/5/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير