أذن وعين
في تذكّر القمم العربية
عبد اللطيف السعدون
بيننا وبين أول مؤتمر للقمة العربية ذاك الذي انعقد في «أنشاص» المصرية فسحة زمن طال أمدها لتصل الى ثمانية عقود، في تلك القمة التي خصصت لمناقشة القضية الفلسطينية تعاهد القادة العرب على «التشاور والتعاون والعمل قلبا واحدا ويدا واحدة»، بحسب البيان المنشور آنذاك، لكن واقع الحال يقول بغير ذلك فكأن القادة اتفقوا على أن يكونوا قلوبا شتى وأيادي مختلفة، وقد اتفقوا على أن لا يتفقوا!
ومنذ تلك القمة والقادة العرب يناقشون القضية الفلسطينية ويظهرون اهتمامهم بها، وقد اشبعوها درسا وتحليلا في أربعين قمة ففي قمة القاهرة عام 1964 قرروا «اعتبار أية سياسة عدوانية ضد فلسطين من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا سياسة عدوانية تجاه كافة الدول العربية»، وفي قمة لاحقة اتفقوا على «تشكيل قيادة موحدة للجيوش العربية»، وفي الرباط تعاهدوا على «التحرير الكامل لكافة الأراضي العربية المحتلة عام 67، وتحرير مدينة القدس»، وفي بغداد رفضوا اتفاقية كامب ديفيد، وفي عمان اتفقوا على اسقاطها، وفي الدار البيضاء أعلنوا عن «قيام الدولة الفلسطينية المستقلة»، وفي عمان اتخذوا قرار «قطع العلاقات مع الدول التي تنقل سفاراتها الى القدس»، وفي بيروت دعوا الى انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان، وفي قمة الكويت اعتبروا «القضية الفلسطينية هي القضية المركزية» وأكدوا على «أن القدس عاصمة دولة فلسطين»، وقرروا في القمة اللاحقة التي عقدت في نواكشوط اعتبار عام 2017 «عام انهاء الاحتلال الاسرائيلي»، وفي قمة البحر الميت عبر القادة العرب عن استعدادهم لتحقيق «مصالحة تاريخية» مع اسرائيل مقاب الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وفي الظهران رفضوا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي آخر القمم طالبوا بوقف العدوان على غزة ورفع الحصار عن أهلها.
معركة فاصلة
وهكذا انشغل القادة العرب بالقضية الفلسطينية طيلة عقود، وأصدروا عشرات البيانات والقرارات بخصوصها، كما شغلوا شعوبهم بها لدرجة أنهم أعطوا الأولوية للاستعداد للمعركة الفاصلة من أجل تحرير فلسطين، وخصصوا الجزء الأكبر من ميزانياتهم لعقد صفقات سلاح مع الشرق والغرب، كما قمعوا، من أجل فلسطين، كل الأصوات التي تنادي ببناء الدولة العصرية، وضمان حقوق الانسان العربي، وكل هامش ديمقراطي ممكن، ورفعوا شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وصدق الانسان العربي دعاواهم، ورضي بالتنازل عن خبزه وحقه في الحرية، وصبر كل هذا الزمن الطويل حتى اكتشف أن كل ما قالوه، وما وثقته مؤتمرات القمة كان هواء في شبك، ولو طبقوا عشرة بالمئة من القرارات التي بصموا عليها بأصابعهم لأمكنهم تحرير نصف فلسطين!
وها نحن، وبعد تلك العقود الممتلئة بالخيبة والخذلان، لا نجد ما نلوذ به غير اللجوء مرة وأخرى الى عقد مؤتمر قمة جديد، وليس ثمة أمل في ان يحقق لنا ذلك شيئا مما وعدنا به شعوبنا التي تفرقت شيعا وأحزابا، وفي موازاة ذلك ظلت اسرائيل التي أطلقنا عليها أيام زمان تسمية «الدولة اللقيطة» باقية وتتمدد، وتنمرت في مواجهتنا لدرجة أنها ابتلعت القدس كلها، وقضمت الجولان، وأجزاء أخرى من سوريا، وجزءا من لبنان، وواصلت حرب الابادة على أهل غزة، وهي تستعد اليوم لخطوات أكبر سعيا وراء اسرائيل جديدة تعيد الى الذاكرة المفاهيم الصهيونية المتوارثة التي يلخصها شعار «أرض اسرائيل من الفرات الى النيل»، وسوف نسمع القادة العرب في كل قمة قادمة يشجبون ابتلاع أو قضم اسرائيل لأراض عربية أخرى، ويعتبرون كل ذلك غير ذي أثر!
وفي تذكر مؤتمرات القمة، ومع كل قمة عربية جديدة، ليس لنا ما نقوله للقادة العرب سوى ما قاله شاعرنا لهم قبل سبعة عقود: «في يدينا بقية من بلاد فاستريحوا كي لا تطير البقية»!