نقطة ضوء
بيضاء كقلوب أهلها
محمد صاحب سلطان
مذ أن وطئت قدماي أرض مطار أربيل الدولي، صبيحة نهار مشمس، حتى أحسست بشئ غريب تملكني، ألفة محبة راودتني مذ الوهلة الأولى، تشربت مسامات رئتي، بهوائها العليل، على الرغم من زياراتي المتعددة للكثيرمن المدن قبلها، ولكني لم احس بمثل هذا الجو المفعم بالراحة الذي أحسست به في أربيل، إنها مدينة، يحوطها سر العراقة والجمال، كونها تستجيب لكل اتجاه يوصلها بسرعة الى التغيير العمراني المتجدد الذي اكتست به حلتها الزاهية!.. وفيها يستنشق المرء بعمق، أروع واقدم روائح الحضارات العراقية القديمة متمازجة مع معالم الحضارة الإسلامية بملامح كردية اصيلة، فهي كثيرة المقاهي والمتاحف والتماثيل والمكتبات والاسواق الشعبية والمولات والفنادق والمطاعم ناهيك عن المساجد والتكايا والكنائس والاضرحة والمدارس والمعاهد والجامعات.. وهي مدينة باذخة الجمال وساحرة، تميزها المباني البيض التي أغلبها، يحوي شرفات زجاجية على الطراز العصري، وازقتها تزخر بالنظافة، فمن الطبيعي أن ترى ربات البيوت، يقمن بغسل الزقاق المواجه لدورهن فضلا عن ما تقدمه البلدية من خدمات ولاكثر من مرة في اليوم..اما الحدائق الموزعة بين الأحياء السكنية المقسمة الى قواطع، فهي قطع خضراء، يرتادها الاهالي ويتسامرون فيها، بل ويقيمون فيها حفلاتهم العائلية مشاركة مع جيرانهم، ناهيك عن ملاعب اللهو والتسلية المجانية للأطفال وعوائلهم وهي خدمات تقدمها البلدية للاهالي والزائرين الذين يتقاطرون في (كروبات) سياحية من مختلف أنحاء العراق في أيام العطل والمناسبات وهم يتوجهون الى مصايفها ومناطقها السياحية الكثيرة.
ولعل أربيل هي اكثر المدن إثارة للخيال، فهي اسوة بشقيقاتها (دهوك والسليمانية وحلبجة)، تربض بسطح متعدد التضاريس ومحاطة بتلال وهضاب وجبال، تتخللها مجمعات وقرى سكنية حديثة الطراز.. بيد أن اربيل تمثل فسيفساء زاهية الألوان كقلوب اهلها، وجامعة للسكان من مختلف الاطياف والأديان والقوميات، فهي متصالحة مع نفسها ومع الآخرين، لاتفرق بين هذا وذاك، فالكل سواسية، وهذا ما جعلها عاصمة أنيقة، أضحت قبلة للزائرين من داخل العراق وخارجه، أجزم، ما من قادم يقترب من حواضرها أو مقيما فيها، الا ويحبها، ويتعلق بجدائل ظفائرها، وترسخ في ذاكرته باحلى صورة.. عموما لا أريد الاسهاب في الحديث عن أهل أربيل وطقوسهم الجميلة وحياتهم المعطرة بالصدق والبساطة، سوى الاشارة الى طيبتهم المتجذرة في النفوس، وحسن استقبالهم للضيف، وهم يعتزون بذلك، ولم ارى أناسا غارقين في الألوان المحبة للحياة، مثلما رأيت في أربيل، فهي تموج بالحياة، ودليلي (القلعة) ذلك المعلم الاثاري الشاخص مذ آلاف السنين في قلب المدينة، وكثير من الزائرين والمرتادين لاسواقها، يعلمون أية بهجة واسرار عجيبة تكمن ورائها، اذ تعد قلب (هولير) التجاري والمالي والصناعي، واشهر معالمها ذلك الفناء الهائل المفتوح الاتجاهات ومنارتها التاريخية التي تواجه مدخلها، حيث تحتشد ارائك الاسواق المتنقلة، كما إنها ساحة لبيع البضائع التراثية ومكان للبهجة والتسلية ولا سيما لعب الأطفال مع طيور منائرها التي ألفت التواجد داخلها وتتفاعل مع كركراتهم باصوات تقليدية تنم عن براءة لا تضاهى وهم ينثرون الحبوب التي تستهويها، فالقلعة مثل الأم التي تنسى متاعب يومها، وتلقى اطفالها الذين ينتظرونها، بروح غسلت الغبطة كل عنائها!.
وختاما أقول: تعد أربيل، العاصمة الثقافية والروحية والفنية والرسمية لإقليم كردستان العراق، وقد توافر فيها كل ما يدور بالخاطر عن الحياة القديمة والحديثة، سكانها طيبون، لا يشعر المرء الزائر اليها أو المقيم فيها، سوى بالالفة والبساطة والصدق بالتعامل، فهي تبني وتزرع وتصنع وتجعل الحياة أحلى.