الحياة في صورها المتناقضة
غالب الحبكي
في جلسة أخرى كان الكذب تجارة وإمارة الشيطان، والقطيع بوجوه مبتسمة، قد كان الكذب فيها فاكهة المجلس وراحة القلوب، و[الحب] كان هو محور حديثهم، والجميع سحروا بهذا ؛ كأن الجميع عاشوا تلك التجربة وكانوا أبطالها، بيد أن الحب لم يطرق أبواب قلوبهم. ولكن الأكاذيب تختلق، ولا صحة للحقيقة ووجودها، وإلا فكيف لإنسان عاقل يعيش ذلك الشرف المقدس والذي كتمه طيلة تلك الفترة واللحظات الجميلة الباسمة، والتي لم يستطع البوح بذلك السر، فكيف به بعد أن تكللت تلك التجربة بالنجاح وتزوج من الحبيب؟ أفصح عن ذلك العشق وأخذ يشرح ويروي كيف كانوا الكلام والغزل بعيداً عن ألسن وعيون الآخرين؟
أعتقد أن مثل هذا الكلام ما هو إلا خيانة لمفهوم [الحب]! وليس من حق كليهما أن يفشي تلك الأسرار وبيان الحال، طالما منحهم الله تلك النعمة بالخفاء، فيجب كتمان النعم في الخفاء والعلن، طالما كانت تدوم النعم بالخفاء!
الحب هو نقاء النفوس والجذوة، الحب لا تنطفئ، مثل وجودها كالنار؛ تمنح الدفء والنور والراحة لمن حولها، ولكن بعد انتهائها وانطفائها، انفض الجميع وسارعوا إلى الرحيل بعد أن أنتفى وجودها وتحولت إلى رماد؟
نحن لا نتكلم عن عشق مجنون ليلى، ولا عن عنتر بن زبيبة وعبلة، ولا أعترض عن قدسية الحب ومفهوم وجوده، ولا ننتقد العشق المقدس لدى عارفيه، لكنني أتكلم عن قصة مثل عراقي يقول: (غراب يقول لغراب وجهك أسود). هنا أضع تلك المبالغات على مائدة طرح الحال وبيان المقال وكشف الأسرار والظروف؛ في كشف المنكر وبيان المألوف، و اعتقد وأجزم أن مثل هؤلاء الذين يعانون من أعراض نفسية، وعقد مرضية لا علاج لها، وما يصدر منها ما هو إلا عادات قذرة متسخة بفساد العقل وفساد سريرة النفوس! وكل هؤلاء لا يستطيعون الخروج من حلقة الجهل والفشل، وتداعي أركان التقاليد والتسافل الأخلاقي، إذ لم تطرق أسماعهم أخلاق الفضلاء العشاق! وهؤلاء في صراع دائم مع الأمراض الروحية، والانحلال الأخلاقي هو الرابط الاجتماعي الذي كان السبيل لنيل ملذاتهم ومفاسدهم، فكان الهدف الإفشاء من وراء سرد تلك القصص؛ إلا الفضيحة والتشهير بشرف تلك الفتاة واتساخ سمعتها، والتي قد كان ذلك [الذئب] بطلها، بل أعتقد وأؤكد أن العين لا ترى إلا الصورة الواحدة في ذلك القطيع.