حدثتني العصفورة وروت لي حكايات القصر والديوان.
قالت بينما كنا جلوساً على الأرائك إذ بفارس يعكر علينا أنسنا ويحيل علينا الأمان الى رعب وإرهاب حين قال:
جيوش الأعداء، يا سادتي، تقف على الأبواب!!
صرخ الكثيرون بعفوية في وجهه:
عن أي أعداء تتحدث؟!
تريث بعض الشيء، ثم أجاب:
عن أعدائنا الذاتيين، أصحاب السعادة والأنس!!
ويحك، ماذا تقصد بذلك؟ تساءلوا.
عدوكم الأول، يا سادتي، هو لهوكم عن ما يعانيه ما تسمونه بالرعية. وهو عدوكم ما تضيعونه من زمن، وما تسرفون فيه مما تسرقونه من قوت شعبكم ومستلزمات بناء حياته.
أجاب والرعب يأكل من شجاعته.
وزير الشرطة، يستأذن صاحب الأمر بالقاء القبض عليه، ووزير الإعلام يستسمح
لم يسمح السلطان لهذا ولا لذاك، بل قام من مقعده ونفض عن وعيه السكرة وأشار للحاجب بانصراف الجواري والغلمان، وحدق بغضب في عيون وعاظه، وبدأ بالحديث:
ولكنك تعلم أيها الصعلوك حامل ما وهبناك إياه من سيف، بأن شعبنا اختار من يمثله من نواب وخبراء، حريصين على استقامة أمره، وعاملين على رفع شأنه.
استأذن الفارس بالرد، فإذن له، فقال:
سيدي السلطان، انهم يخدعونك في محبة الشعب لهم وثقته فيهم. انهم يطربونك في الليل، ويغيبون عنك في النهار. تجول في بيوت الرعية، وافتح قلوب الناس، زر السجون واستمع الى مناحات الأرامل وبكاء الأيتام، فستعلم حينها عن أي نواب تتحدث، وعن أي وزراء! دع عيونك الطاهرة تحدثك عن ما سرقوه من مال هذا الشعب المسكين الذي رضا بحمى البطالة والعوز بعد الحروب والارهاب، وعندها ستحكم برجاحة عقلك وصفاء قلبك وطهارة نفسك على استقامة حكمك وحلال عيشك!
أنكس السلطان برأسه، نظر حوله فلم يجد في مجلسه سوى مجموعة من حرامية ومنافقين وعملاء!
حينها أدرك السلطان صحة معنى ما قاله الفارس:
الأعداء على الأبواب!!