الهوية والحداثة
سمير ميراني
تختلف حقيقة الهوية من فرد إلى آخر، تميزه عن غيره وتحدد خصوصيته، وتمنّهج ارتباطه المشترك مع الجماعات، بما يضمن لهم الشعور بالإنتماء لكيانٍ يتشاركونه.
وتتأرجح مفهوم الهوية في وعي المجتمعات، ما بين الحديثة العقلانية المعاصرة، والموروث الثقافي الديني والإثني، مما يجذب حالة من القلق، وإثارة التوتر بين النزعة العمومية الشاملة، للذين يسعون للحداثة والمدنية، وبين المتعصبين للهوية وتخصيصها وتقييدها بالموروثات الدينية والاجتماعية العرقية.
هذا التعقيد في مفهوم الهوية، يشكل ساحة صراع يتجاوز حدود الإنتماء، ليغدو صراعًا مستميتًا بين الالتزامات الاجتماعية والدينية، وبين الحرية الفردية الشخصية، تأثيرها يشكل خطرًا على مفهوم الوجود، الذي يحتاج إلى فضاءٍ معرفي ديناميكي، وثقافي متغير باستمرار نحو الحداثة، ومعاصرة الواقع بأسس موضوعية علمية ومنطقية.
حقيقة الهوية ليست مجرد مفهوم اجتماعي، بل فلسفي عميق، يضع الفرد أمام تحد التأقلم، والعيش في عالم متغير باستمرار، مع الحفاظ على صلته بذاته وانتمائه للجماعة.
تعد الهوية جزءً من تقدير الفرد لذاته، وحفظ حقوقه، وصون كرامته، وهي ليست مجرد تطابق الشيء ونفسه، إنما علاقة ديناميكية بين الكائن والوجود، هي الإنتماء والانفتاح على الكينونة، في قانون الإنتماء (لا هوية لمن يتقبل الذلّ ويتهاون في الذود عن الحقوق ).
من مخرجات تسييس مفهوم الهوية، ظهور مصطلحات جديدة تُنسب للهوية، أفرغتها من معناها الحقيقي، لتغدو هجينة، تترنح بين القبائلية والطائفية والإثنيّة، دونية القيمة، متعصبة فئويّة، دون مراعاة لخصوصية الفرد وإرادته، وتركيبة المجتمع، وتعقيدات بنيته التقليدية، والمخاطر الناجمة عنه، التي تؤدي إلى التخبط الهائل على مستوى الفرد من فقدانه الثقة بالنفس، وعدم الاطمئنان لذاته، والقدرة على مواجهة التحديات الاجتماعية، في إطار صياغة مشروع علمي متكامل، بل سيغدو ضعيفًا مستسلمًا أمام ضغوط الواقع الافتراضي السائد، حينما تشكل الجماعة عائقًا أمام تطور الفرد، ينتج عنه أزمة نشوء الهوية.
نواكب عصر الحداثة، ولا يزال هوية المجتمع العراقي، تقوم على روابط الأهل ودرجات القربى، المبنية على الرواية وثقافة الأسطورة، وهي التي تحدد طبيعة سلوكه، بحيث لم يعد الإنتماء مبنيًا على القيم العقلانية المنطقية، وإنما على روابط العاطفة المحلية، وهذا ما يفسر غياب الوعي المعرفي للمجتمعات التي مازالت تعيش زمن القبيلة التقليدية، متداخلة في كيانات صغيرة يتحكم بها الموروث وثقافات الماضي المختلفة، تمنح لأفرادها هويات محلية، يطلق عليها، هوية العشيرة أو القبيلة، في عصر الحداثة والعولمة.