الإعلام ومعركة الوعي في الشرق الأوسط
محسن عثمان
المعركة الأهم في الشرق الأوسط اليوم ليست عسكرية ولا اقتصادية ، بل معركة على الوعي ، والقوى الإقليمية والدولية لم تعد تعتمد على السلاح لتحقيق النفوذ ، بل على الإعلام الموجّه ، والحملات الرقمية ، ومنصات التواصل التي تحوّلت إلى غرف عمليات تُدار فيها أخطر حروب القرن .في منطقتنا ، لا تعمل الفضائيات بمعزل عن السياسة ، ولا تتحرك المنصات الرقمية بعيدًا عن حسابات الأمن القومي ، كل دولة تمتلك مشروعًا سياسيًا تُقاتل من أجله ، وتعتبر الإعلام ذراعًا إستراتيجية لتحقيقه ، لم يعد الهدف هو نقل الخبر ، بل توجيه تصورات الجمهور ، وصناعة موقفه تجاه قضايا مثل النفوذ الإيراني ، الوجود الأمريكي ، الصراع العربي–الإسرائيلي ، أزمات الطاقة ، والتحالفات العسكرية الجديدة .من يتحكم في السردية يتحكم في المنطقة ، المنصات الرقمية ليست بريئة ولا محايدة ، هي اليوم ساحة لتصفية الحسابات بين أجهزة الاستخبارات ، وجماعات الضغط ، وشركات التكنولوجيا التي تمتلك القدرة على توجيه الخطاب العام دون أن يلاحظ أحد ، عندما تشتعل أزمة سياسية في منطقة عربية ، تتحرك فورًا جيوش إلكترونية
حسابات وهمية
تزييف عميق يُستخدم لإسقاط شخصيات أو تضخيم أخري ، وهكذا تتشكل القناعة العامة قبل ظهور الحقيقة .تعاني شعوب المنطقة من استقطاب حاد ، وانقسام سياسي ، وغياب الشفافية الإعلامية ، هذه البيئة تمنح القوى الخارجية فرصة ذهبية لاختراق الوعي وتحويل الرأي العام إلى ورقة ضغط ، يتم تضخيم حدث صغير ، أو إخفاء حدث كبير ، لتوجيه المشهد السياسي وفق مصالح محددة ، من الاقتصاد إلى النفوذ إلى المعارك الانتخابية ،
الوعي العربي أصبح مكشوفًا في مواجهة إعلام مدجج بأحدث أدوات السيطرة ، كثير من الدول العربية ما زالت تتعامل مع الإعلام بأدوات قديمة ، بينما خصومها يستخدمون خوارزميات متقدمة ، وقدرات تحليل ضخمة ، وأدوات ذكاء اصطناعي تُصنع عبرها رواية سياسية كاملة خلال ساعات ، الدول التي لا تُدرك أن الإعلام جزء من الأمن القومي ستجد نفسها تحت رحمة روايات يتم صناعتها في الخارج، وتُفرض على الداخل .
معركة وجود
من يربح هذه المعركة يفرض قراءته للمشهد، ويحدد اتجاهات المجتمع ، ويُعيد رسم خريطة الولاءات والتحالفات ، أما الخاسر فيعيش في وعي مزيف ، يصدّق ما يُقال له ، ويتحرك وفق ما يُراد له.هذه ليست مبالغة ، بل واقع تُثبت يوميًا تفاصيله من بغداد إلى غزة ، ومن دمشق إلى القاهرة ، ومن الخليج إلى شمال أفريقيا ، الإعلام لم يعد مرآة للواقع ، بل أصبح أداة لإعادة تشكيله ، والمعركة المقبلة لن تُحسم بالرصاص ، بل بالعقول التي تفهم ، والوعي الذي يُقاوم التزييف ، والإعلام الذي يفضح من يريد أن يصنع وعيًا عربيًا على مقاس مصالحه .الخلاصه إذا لم نملك رؤيه استراتيجيه إعلامًية واعية ، سنكون جزءآ من إستراتيجية الآخرين .