الأبعاد السياسية والتداعيات الأمنية.. الأزمة بين الولايات المتحدة وفنزويلا
عماد علّو الربيعي
المقدمة
يتصاعد التوتر سريعا»، في البحر الكاريبي Caribbean Sea، بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا، بشكل ملحوظ لا سيما بعد عودة الرئيس دونالد ترامب Donald Trump، إلى البيت الأبيض. اذ تتميز الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وفنزويلا Venezuela، بتصاعد التوترات السياسية وتصعيد الإجراءات العسكرية والأمنية منذ النصف الثاني من عام 2025. حيث زادت الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، من ضغوطها العسكرية وعقوباتها على حكومة نيكولاس مادورو Nicolas Maduro، التي تتهمها بأنها دولة إرهابية مرتبطة بالمخدرات. ويحظى هذا النهج بدعم كبير من المعارضة الفنزويلية، ولكنه يتعرض لانتقادات من خبراء القانون الدولي وآخرين يحذرون من احتمال نشوب صراع مسلح في منطقة البحر الكاريبي التي تعاني أصلا» من توترات أمنية وسياسية مختلفة. ويبدو أن مبررات واشنطن حول نشاط مافيات المخدرات في منطقة الكاريبي، لم تخفي الأسباب الحقيقية وراء التصعيد الأمريكي ضد كاراكاس، والمتعلق بزيادة النفوذ والمصالح الصينية والروسية والإيرانية مع فنزويلا، الدولة الغنية بالاحتياطات النفطية، وذات الموقع الجيوستراتيجي القريب من الولايات المتحدة الامريكية، والتي تنتهج سياسة بعيدة عن رغبات وتطلعات الكارتل الرأسمالي الأمريكي. والسؤال المطروح هو عن ماهية الابعاد السياسية والتداعيات الأمنية، للأزمة المتصاعدة بين واشنطن وكاراكاس.
الأبعاد السياسية
يكمن جوهر الخلاف السياسي في استمرار عدم اعتراف الولايات المتحدة برئاسة نيكولاس مادورو، الذي فاز بولاية جديدة اثر انتخابات يوليو 2024، لتسارع واشنطن الى الاعتراف بمرشح المعارضة إدموندو غونزاليس Edmundo Gonzalez، «رئيسًا شرعيًا»، لفنزويلا، وبأن تنصيب مادورو في يناير 2025 غير شرعي. وأنهت الولايات المتحدة دعمها السابق لحكومة مؤقتة بقيادة خوان غوايدو كانت قد اعترفت بها في عام 2023.
ومنذ عودة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة في يناير 2025، صعّدت من استراتيجية «الضغط الأقصى». الرسوم الجمركية: فُرضت رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على الدول التي تشتري النفط من فنزويلا، اعتبارًا من أبريل 2025، كذلك قامت بإنهاء صلاحية الامتيازات النفطية الممنوحة للشركات الأمريكية من قِبل إدارة بايدن، بما في ذلك ترخيص شركة شيفرون. واتهمت حكومة نيكولاس مادورو، بعلاقتها الراعية لمافيات المخدرات (عصابة ترين دي أراغوا TdA )، و(كارتل دي لوس سولس Cartel de los Sols)، وصنفتهما منظمتين إرهابيتين. وسبق أن أرسلت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية في مارس 2025، أرسلت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية أكثر من 200 فنزويلي يُزعم ارتباطهم بعصابة ترين دي أراغوا (TdA) إلى سجن شديد الحراسة في السلفادور. وتم تبادل هؤلاء الأفراد لاحقًا مقابل أمريكيين محتجزين في يوليو2025.. لتبرر المطالبة بالقبض على الرئيس الفنزويلي مادورو مقابل مكافأة مالية تصل إلى 50 مليون دولار في أغسطس 2025، بعد أن صنفته الولايات المتحدة «زعيمًا إرهابيًا عالميًا». وقد أدانت الحكومة الفنزويلية، الإجراءات الأمريكية ووصفتها بأنها غير قانونية و»تهديد استعماري». نافية اتهامات واشنطن بصلتها بمافيات تهريب المخدرات.
التصعيد الأمني
في أكتوبر 2025، منحت الإدارة الامريكية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) تفويضًا بتنفيذ عمليات سرية في فنزويلا. لتعلن بعدها واشنطن عن تنفيذ ضربات جوية على قوارب يُشتبه بأنها تنقل مخدرات (في البحر الكاريبي، وبعضها من فنزويلا)، تمهيدا» لتوجيه ضربات أخرى ضد “بُنى تحتية” يُعرف/يُشتبه بأنها تُستخدم في تهريب المخدرات، مثل موانئ أو منشآت إنتاج/شحن المخدرات وتصديرها، دون أن تعلن رسميا» أنها ستستهدف أفرادًا أو مجموعات داخل فنزويلا. في وقت صعدت فيه من استخدامها لـ “عمليات نفسية/معلوماتية/إلكترونية”، مثل حملات تضليل، تجسس، اختراقات إعلامية أو استخباراتية، لتأليب الرأي العام الفنزويلي، والإقليمي، ولزعزعة استقرار الحكومة الفنزويلية. ويعتقد أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، يمكن أن تطور عملياتها الى استراتيجية أوسع تشمل ضغوط اقتصادية، عقوبات، واحتمال تغير النظام الحكومي في فنزويلا لإزاحة نيكولاس مادورو. كل ذلك يعتبر جزء من تحوّل في الاستراتيجية الأميركية تجاه فنزويلا، من العقوبات السياسية والاقتصادية إلى استخدام مزيج من الضغوط الاستخباراتية، والعسكرية، والمعلوماتية.
التصعيد العسكري
أدت الإجراءات الامريكية الى انهيار الدبلوماسية، وتزايد المواقف العسكرية، وتوسيع العقوبات، وتزايد مزاعم الإرهاب المرتبط بالمخدرات وانتهاكات حقوق الإنسان. وقد أدى ذلك إلى خلق بيئة سياسية وأمنية شديدة التقلب، تمهيدا» على ما يبدو لتدخل عسكري أمريكي واسع النطاق ضد فنزويلا، وقد يشمل دولا» أخرى في منطقة البحر الكاريبي! لاسيما بعد أن نشر حاملة الطائرات جيرالد فورد (USS Gerald R. Ford) ومجموعتها الضاربة من طرادات وسفن حراسة وغواصات إلى البحر الكاريبي، بالإضافة الى نشر وحدات من القوات الخاصة، مثل Night Stalkers Regiment 160 (صيادو الليل)، على مقربة من السواحل الفنزويلية. في المقابل، حكومة فنزويلا ردّت بإطلاق مناورات عسكرية واسعة، وأعلنت عن استعدادها لمواجهة أي عدوان. لتعلن واشنطن عن اغلاق المجال الجوي الفينزويلي في 29 نوفمبر / تشرين الثاني 2025، ليتصاعد الموقف الى ما يسمى بـ(حافة الحرب)، وممارسة مزيج من الضغوط الشاملة على النظام الفنزويلي. ومع ذلك فان التصعيد العسكري، لم يصل بعد إلى مستوى حرب شاملة، حيث أن الانتشار العسكري الأميركي رغم كونه كبيرًا، “لا يمثل أكثر من 10بالمئة من القوة البحرية الأميركية”، وهو أقل من الاستعداد لحرب برية واسعة. الا أن سرعة ومستوى الحشد العسكري يمكن اعتباره رسائل مهمة وقوية عن جدية واشنطن للدفاع عن حديقتها الخلفية إزاء تصاعد نفوذ الصين وروسيا وايران في منطقة البحر الكاريبي خصوصا» وفي أمريكا اللاتينية بشكل عام.
الخاتمة
تعكس الأزمة المتصاعدة خلافات أيديولوجية عميقة الجذور وانهيارًا مستمرًا للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين الولايات المتحدة الامريكية وفنزويلا، على مدى عقود. مع التصعيد الأخير في السياسة الأمريكية وتزايد المواقف العسكرية، ضد فنزويلا، يزداد الوضع تقلبًا. وقد يؤدي احتمال سوء التقدير أو سوء تفسير العمليات العسكرية إلى مزيد من التصعيد، لا سيما إذا نفذت الولايات المتحدة تهديداتها بعمليات برية، مما قد يُفاقم الأزمة الإنسانية والسياسية في فنزويلا، فضلا» عن زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
□ لواء ركن المتقاعد .. خبير عسكري واستراتيجي