الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المناسبات .. حين تصوغ الذاكرة شخصيتنا

بواسطة azzaman

المناسبات .. حين تصوغ الذاكرة شخصيتنا

نبراس المعموري

 

تمر بنا الأيام، وتمر معها مناسبات لا تُنسى… بعضها يملأ القلب فرحاً، وبعضها يترك وراءه اثراً يشبه الغصة. وبين هذين المتناقضين (الفرح والحزن)، تتشكل ذاكرتنا، وملامحنا، وسلوكياتنا أيضًا.

في المناسبات السعيدة، تبتسم الذاكرة دون أن نطلب منها. نذكر ضحكةً صافية، أغنيةً كانت تبث، أحياناً نسمعها خلسةً حتى لا يؤنبنا الأخ الأكبر، أو تجد الأم مساحة للحديث عن إهمال أعمال المنزل والانشغال بسماع أغنية، أو ذكرى لرائحة عطر، أو حتى طبقًا لم يُنسَ طعمه. حفلة تخرج، ولادة طفل، لقاء بعد فُرقة، أو نجاح طال انتظاره وسط أجواء الحرّ اللاهب وصراع “من يغلب من”… كلها لحظات تصنع فينا طاقة تُعيننا حين تتعثر الخطى.

لكننا لا نختار فقط ما نريد أن يُسعدنا؛ فالمناسبات الحزينة تحفر فينا أخاديد أعمق… وفاة عزيز، فراق، خيبة في موعد، أو عيد مرّ علينا ناقصاً بعد غياب من نحب. هذه اللحظات لا تُنسى، لكنها لا تمر دون معنى؛ فهي التي تعلمنا الصبر، وتمنح أفراحنا المستقبلية قيمة مضاعفة. فيها من الدروس والعِبر الكثير.

شدائد وقسوة

ورغم توالي السنوات وتقادم الزمن، فإن ذلك لا يُقصي الذكريات، بل يعيد ترتيبها وفق احتياجات حاضرنا، وما نمر به من مواقف تجعلنا أكثر فهماً للفرح، وأكثر تسامحاً مع الحزن. وقد نكتشف أن بعض اللحظات التي بدت قاسية، كانت تحمل في طيّاتها بذور نضوجنا، وتحملنا الشدائد وقسوة المحيط، وهو يتسابق مع سرعة التطور وتغيّر العالم. المناسبات، بذكرياتها السعيدة أو الحزينة، تمثل بعداً نفسياً واجتماعياً، يترك أثره الواضح في تكوين الشخصية ونضج الهوية. فما هو أثر الأبعاد النفسية والاجتماعية في تشكيل الشخصية؟

من منظور نفسي، تشكل المناسبات، وخاصة المتكررة منها، بيئة خصبة لبناء الذاكرة الانفعالية، وهي الذاكرة المرتبطة بالشعور لا بالمعلومة. فالأحداث التي ترسخ بداخلنا الفرح والإنجاز تصبح مخزونًا داخلياً يعزز الثقة بالنفس، والشعور بالانتماء.

أما الذكريات الحزينة، فإنها تبني طبقات أعمق من الوعي بالذات والهشاشة الإنسانية. ورغم ألمها، فإنها تسهم في تشكيل الشخصية من خلال تعزيز الصبر، والتكيف، والمرونة النفسية… أو العكس.

كما أن المناسبات التي تخلد الذكريات لا تحدث في فراغ… فهي جزء من السياق الاجتماعي والثقافي الذي نحيا فيه. وهنا تعمل المناسبات كـ”جسور للعلاقات”، تقوي الروابط، أو أحيانًا تكشف هشاشتها. فبعض الأشخاص يعيدون تقييم علاقتهم بالآخرين بناءً على: من حضر، ومن غاب، ومن تذكرهم، ومن تجاهلهم. وهذا التفاعل يُسهم في نضج الفرد اجتماعيًا، وتنمية قدرته على بناء علاقات صحيّة ومتوازنة.

المحصلة النهائية لهذه التجارب المتراكمة، فرحًا كانت أم حزنًا، تترك بصمتها على الشخصية في ثلاثة جوانب أساسية:

قيم شخصية

1. الهوية العاطفية: كيف نعبر عن مشاعرنا؟ هل نسمح لأنفسنا بالفرح؟ هل نكبت الحزن أم نعترف به؟

2. المرونة والتكيف: هل نستطيع تجاوز الخسارة؟ هل نتعلّق بالماضي أم نستفيد منه للمضيّ قدمًا؟

3. القيم الشخصية: المناسبات تعيد تشكيل قناعاتنا: من نحب، من نثق، وما الذي يستحق الاحتفاء أو التجاوز.

بكل الأحوال، فإن المناسبات وما يصاحبها من ذكريات، سواء كانت زاهية أو قاتمة، ليست مجرد أحداث في تقويم العمر، بل فصول في كتابنا الشخصي. وكلما تقدمنا في العمر، فهمنا أن أهم ما في المناسبة هو من شاركنا إياها؟ من كان معنا؟ من افتقدناه؟ من تذكرنا؟ ومن غاب عن الذاكرة تماماً؟ كل هذا يلعب دوراً اساسياً في تكوين شخصية الإنسان، داخلياً وخارجياً. ورغم تغير الظروف وتبدل الوجوه، تبقى بعض ذكريات المناسبات بمثابة مفاتيح لفهم أنفسنا.

 

 


مشاهدات 61
الكاتب نبراس المعموري
أضيف 2025/06/30 - 3:43 PM
آخر تحديث 2025/07/01 - 3:41 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 102 الشهر 102 الكلي 11153714
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير