الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دور الإعلام السيبراني في تشكيل الرأي العام  خلال الأزمات السياسية

بواسطة azzaman

دور الإعلام السيبراني في تشكيل الرأي العام  خلال الأزمات السياسية

عصام البرّام

 

في عصرنا الرقمي الحديث، أصبح الإعلام السيبراني أحد أبرز الادوات التي تلعب دوراً حيوياً في تشكيل الرأي العام، لا سيما خلال الازمات السياسية. فمع التوسع الهائل في استخدام الانترنت ووسائل التوصل الاجتماعي، تغير مفهوم الإعلام بشكل جذري ، حيث لم يعد الإعلام حكراً على المؤسسات التلقيدية فقط، بل أصبح متاحاً لأي فرد أو جهة تمتلك القدرة على بث المعلومات عبر الفضاء السيبراني.يعرّف الإعلام السيبراني: هو كل ما يُنقل وينشر من أخبار وآراء وتحليلات، عبر الوسائل الرقمية، خاصة عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أضافة الى استخدام الادوات الرقمية المتقدمة في جمع ونشر المعلومات. كما يختلف الإعلام السيبراني عن الإعلام التقليدي في سرعته الفائقة وقدرته على الوصول الى جمهور واسع في وقت قصير، كما يتيح تفاعلاً مباشراً بين المصدر والمتلقي.

وخلال الازمات السياسية، يصبح الاعلام السيبراني أداة مؤثرة في توجيه الرأي العام، إذ يتم استغلاله من قبل أطراف متعددة لتشكيل مواقف سياسية، أو نشر المعلومات أو التضليل والتأثير على مسار الاحداث. لذلك، فهم هذا الدور أصبح ضرورة ملحة لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي والاعلامي.

تشكيل الرأي العام من الاعلام التقليدي الى السيبراني

يقدم علماء الإعلام والإتصال مفهوم الرأي العام: بأنه مجموعة المواقف والاتجاهات التي يحملها أفراد المجتمع تجاه قضايا معينة. ولقد كان الاعلام التقليدي مثل الصحف والتلفزيون والاذاعة، يسيطرون على تشكيل هذا الرأي من خلال ما يُقدم من تقارير وأخبار، لكن هذا الدور تغير اليوم مع صعود الاعلام السيبراني. ففي الاعلام السيبراني، لم يعد الجمهور مجرد متلق سلبي، بل أصبح مشاركاً في إنتاج ونشر المعلومات، ما يعزز تأثير الاعلام على الرأي العام. إذ يمكن لأي شخص نشر محتوى يمكن أن يتحول بسرعة الى ظاهرة إعلامية تؤثر في أعداد هائلة من الناس.

الاعلام السيبراني خلال الازمات السياسية: أدوات وآليات

فمن خلال الازمات السياسية، يستخدم الاعلام السيبراني مجموعة من الادوات التي تساعد على تشكيل الرأي العام بفعالية: فوسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والإنستغرام ومنصة X وغيرها، تُستخدم لنشر الاخبار والتعليقات بشكل فوري، مما يخلق أجواء من التفاعل الحي بين المواطنين والسياسيين. كذلك الحال المدونات والقنوات الرقمية التي تتيح لتحليلات متعمقة وأصوات بديلة بعيداً عن الاعلام الرسمي، أضافة الى الذكاء الاصطناعي والتحليلات الرقمية، حيث تُستخدم لمراقبة اتجاهات الرأي العام، واستهداف الجماهير برسائل مخصصة، فضلاً عن ما يعرف بالذباب الالكتروني والبروباغندا، التي تُوظف للتأثير على الجمهور من خلال نشر معلومات مضللة ومشوهة.

ايجابيات الاعلام السيبراني في الازمات السياسية

على الرغم من المخاطر، فإن الاعلام السيبراني يحمل فرصاً كبيرة لتعزيز الديمقراطية ورفع مستوى الوعي السياسي، وذلك من خلال نشر المعلومات بسرعة وشفافية، حيث يمكن للاعلام السيبراني كشف الاحداث والتطوررات السياسية فور وقوعها، مما يحد الاحتكار الاعلامي التقليدي. كذلك تمكين المواطنين في الاطلاع على ما يدور من حولهم، إذا يتيح للأفراد التعبير عن آرائهم، والمشاركة في الحوار العام ومحاسبة السياسيين. فضلاً عن تنويع المصادر الاعلامية: بغية التقليل من الاحتكار الاعلامي ورفع مستوى التعددية في وجهات النظر التي تُعد جزءاً من أجواء الديمقراطية.

التحديات والمخاطر

رغم ايجابياته التي صاحبت الثورة التكنولوجية، فإن الاعلام السيبراني يحمل معه تحديات كبيرة، تقف في مقدمتها: انتشار الاخبار الكاذبة والتضليل، فقد تستخدم الجهات المختلفة الاعلام السيبراني لنشر معلومات مغلوطة تهدف الى تزييف الواقع وتشويه سمعة الخصوم. ومنها ايضا تأجيج الخلافات والانقسامات، التي تسهل انتشار الخطابات التحريضية والكراهية  وربما العنف عبر المنصات الرقمية، مما يفاقم الازمات السياسية. ومن التحديات والمخاطر، التلاعب بالرأي العام عبر الذكاء الاصطناعي، فاستخدام تقنيات متقدمة مثل البوتات والروبوتات لنشر رسائل مؤثرة مصممة خصيصا للتلاعب بالمشاعر والتجاهات السياسية.

لقد شهد العالم العديد من الامثلة التي تظهر كيف يؤثر الاعلام السيبراني في الازمات السياسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، في الانتخابات الرئاسية الامريكية عام 2016، استخدمت مجموعات متخصصة وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضللة بهدف التأثير على نتائج الانتخابات. أما خلال الثورة التونسية، فقد لعب الاعلام السيبراني دوراً رئيسيا في نقل الاخبار وتنظيم التظاهرات عبر شبكات التواصل، مما ساهم في إشعال شرارة التغيير السياسي.

كيف التعامل مع الاعلام السيبراني أثناء الازمات السياسية؟

إن مواجهة التحديات المرتبطة بالإعلام السيبراني، ينبغي أن تبني استراتيجيات شاملة: منها تعزيز التوعية الاعلامية، فتعليم الجمهور بكيفية التحقق من الأخبار والمصادر والموثوقة، كذلك التمييز بين المعلومات الحقيقية والمزيفة التي تقود الى انهيارات وخلافات في غنى عنها. أضافة الى تنظيم الفضاء الرقمي، وذلك من خلال وضع أطر قانونية تحكم نشر المعلومات وتحارب التضليل الالكتروني. كما يمكن استخدام التكنولوجيا الذكية، من خلال الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي لرصد التحركات الاعلامية المشبوهة ومكافحة الاخبار الكاذبة. ومن الجدير الاشارة اليه، هو تشجيع الشفافية والمصداقية، فعلى وسائل الاعلام التقليدية والرقمية الالتزام بالقواعد المهنية لتقديم معلومات دقيقة وموثوقة. أما الاهتمام بالتعاون الدولي ففي هذا المجال من الاهمية الكبيرة: نظراً لطبيعة الاعلام السيبراني العابرة للحدود، فإن التعاون بين الدول ضروري لمواجهة الهجمات السيبرانية والتضليل الاعلامي، من مؤسسات لا تعد ولا تحصى تنتشر حول شبكات العالم.لقد أصبح الاعلام السيبراني أحد الاعمدة الاساسية التي تشكل الرأي العام في ظل الازمات والتحديات السياسية، فقوته تكمن في آنتشاره الواسع وسرعته الفائقة، لكن هذه القوة تحمل معها مخاطر كبيرة تتمثل في التضليل والتلاعب. لذلك، فإن بناء مجتمع رقمي واع ومدرك لكيفية استخدام هذه الوسائل هو السبيل الامثل لتوجيه الاعلام السيبراني نحو دعم الديمقراطية والاستقرار السياسي، بدلاً من أن يكون أداة للنزاعات والانقسامات.إن مستقبل الإعلام والسياسة مرتبط ارتباطا وثيقا بكيفية تعاملنا مع الإعلام السيبراني، مما يجعل دراسة هذا المجال وفهم تأثيراته ضرورة لا غنى عنها في عالمنا المعاصر.

 


مشاهدات 63
الكاتب عصام البرّام
أضيف 2025/06/30 - 3:45 PM
آخر تحديث 2025/07/01 - 3:41 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 100 الشهر 100 الكلي 11153712
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير