الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حقيقة أغرب من الخيال

بواسطة azzaman

نقطة ضوء

حقيقة أغرب من الخيال

محمد صاحب سلطان

 

لا أدري لماذا خطرت في بالي لحظتها ،جملة حفظتها من قراءات أيام الشباب، نصها (نحن لا نموت حين نفقد من نحب، فقط نكمل الحياة بقلب ميت)، بعد أن تمعنت في تفاصيل وجهه، وفي حركة يديه بإشاراتها التعبيرية المرافقة للمعان بريق عينيه، وهو يسرد لي فاصلا من حياة عاشها، آنذاك، كشاب بهي الطلعة والموقف، يفتخر كثيرا، عندما يتناول حكايته، ويعتز بدقائق وقائعها برغم مفرداتها الحزينة، إثر نكبة ألمت به، جراء مرض عضال أصاب زوجته، أفقدها القدرة على الحركة، بعد (21) عاما قضاها معها، أثمرت عن ثلاثة أولاد وصبية، وبعد المرض أصبح زميلنا، أبا وأمآ في آن واحد، حتى إن أصغرهم كان يناديه بوصف (بام) اختصارا لبابا وماما معا، مثلما أصبح ممرضا لزوجته المقعدة، علاجيا وخدميا، في مواقف يعجز القلم عن تصويرها، بعد أن عجز أقرب الناس لها من أهلها عن تحملها، سواه وحده، لصعوبة حالتها المرضية، لاصابتها بمرض سرطاني حار الأطباء في تشخيصه، ولم يترك مختصا في داخل العراق وخارجه إلا ولجأ اليه، باع لإجلها كل ما يملكه، وطيلة مرضها الذي أخفى زوجها حقيقته عنها وعن أولادها، كان الرجل يختزن ألمه ويصارع يومه كل لحظة ، مؤمنا وراضيا بما أصابه، يتدرع بالصبر الذي لا سواه عنده، مستذكرا حلاوة أعوام العيش السابقة، وكيف أصرت حبيبته على الاقتران به من دون غيره، وهي التي تملك من الجاه والجمال والمال الكثير، لكنها أصرت، إما (هو) أو الموت دونه، وظلت على هذا المنوال إلى أن توفاها الله جلت قدرته، في ساعتها الموعودة، وظل زميلنا بعدها، وهو إعلامي متميز وشاعر وقاص معروف، يمارس دوره التربوي البديل لعائلته، (أبا وأما)، ولإكثر من عامين، وبعد إلحاح من المقربين على تزويجه ،ومطالبة أولاده بالتحديد، أن يجلب لهم امآ ثانية ،وافق بشرط وحيد بقوله: (أريد زوجة تكون اما لاولادي)، فمن توافق، تكون هي الاثيرة لديه.

وبدأ البحث العائلي من شقيقات وأقرباء ومعارف، ومرت وجوه عديدة، حتى عثر على المرام، وهكذا كان، ويستدرك: بعد مراسم الزواج الأولية، ونحن نتوجه إلى دارنا، سألتني الزوجة الجديدة -أكنت تحب أم أولادك؟، فسردت لها الحكاية بما وقعت. وتفاجأت عند الوصول، بطلبها بأن تبقى الدار مثلما كانت في حياة زوجتي الأولى من دون تغيير، وحتى غرفة النوم رفضت أن تستبدلها، وكانت تردد (لقد أحببتها من كثرة حبك لها)، بل والاغرب، قامت بعد أيام، بإرتداء ثياب المرحومة المعلقة بخزانة ملابسها، وعند مشاهدة الأولاد لهذا المنظر وهي تتحرك في بهو الدار بهيئتها الجديدة، نطقوا بكلمة (ماما)، ومن يومها، ألفت رؤيتها وهي تحتضن الأولاد ولا ينامون إلا على ذراعيها، وتقوم بكل ما يطلب من الأم تجاه أولادها، حتى انها كانت تبكي ولا تنام عندما لا ينال الصغير، درجة عالية في مادة كانت تتابع تفاصيلها معه.

لا أطيل.. اليوم بفضلها ،الكبير مهندس والآخران تخرجا من كلية طب الأسنان، وأختهم تخرجت وتزوجت، كل ذلك بفضل رعاية هذه الأم البديلة المتفانية، التي قلبت موازين الصورة النمطية السوداوية لزوجة الأب، وقد يتساءل أحدكم.. كم من النساء هكذا مواصفاتهن؟ وكم من الرجال من يتحلون بذات خصال ذلك الصديق؟

فلا الغريزة الانثوية المتجسدة بالغيرة السلبية في غالب الأحيان، بقادرات على الانفكاك منها، ولا طبيعة الأحتواء والتملك التي تنتاب الكثيرات من دون وعي مسبق أيضا، فصفات ما ذكرت ليست بصفات أنثى إعتيادية، بل صفات ملائكة تمشي على قدمين، وكذا الحال بالنسبة لطبيعة التربية والسلوك العام للرجال، الذين يتربون على نمط لا يجوز الحياد عنه، فهم تربوا على أن يخدموا لا أن يخدموا!، بيد إني لست بصدد الإجابة الآن، لأن هذا الأمر يحتاج لمساجلات كثيرة ولعلماء نفس وتربويين متخصصين، كي يحللوا هذه الخصال الفريدة، ولكني أقول: تحية لهذه المرأة التي ربت والرحمة لمن أنجبت ولهذا الرجل الوفي، معتذرا عن عدم ذكر الأسماء، ليس من باب الاحراج ولكني أراهم فوق كل الأسماء والالقاب، وللانسان الذي يحتوي دواخلهم النبيلة.

 

 

 


مشاهدات 290
الكاتب محمد صاحب سلطان
أضيف 2025/06/14 - 1:52 AM
آخر تحديث 2025/06/14 - 10:31 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 479 الشهر 9383 الكلي 11144037
الوقت الآن
السبت 2025/6/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير