الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة استطلاعية أولية.. يوميات السيد محمد بحر العلوم (1950 – 1963)

بواسطة azzaman

قراءة استطلاعية أولية.. يوميات السيد محمد بحر العلوم (1950 – 1963)

أحمد عبد المجيد

 

من النادر ان نحظى بشخص يحرص على تراث والده ويوليه الاهتمام المطلوب، مثلما حظينا بأهتمام وحرص الدكتور ابراهيم بحر العلوم على الحفاظ على تراث والده، الفكري ويواصل مسؤلياته الوطنية والاجتماعية بالوفاء والرضا المتميزين له.

ولعل آخر ما انجزه بحر العلوم الابن، في هذا السياق، اصداره يوميات السيد محمد بحر العلوم التي غطت نحو عقد ونصف عقد من الزمان (1950 – 1963)، وهي عملية ليست سهلة بالنظر للظروف التي احاطت بالسيد من جهة وطبيعة تنقله الذي املاه وضعه السياسي والروحي من جهة آخرى.

وتشكل اليوميات في جزئها الأول، الذي قدم له واعده وعلق عليه الدكتور ابراهيم بحر العلوم، وثيقة تاريخية وانسانية فريدة نزيد الاشادة بها، لخصوصيتها وطريقة تدوين وقائعها، والتي لا تشابهها طريقة ثانية.

لقد صادف اني انجزت مطالعة رسائل اديبة امريكية اسمها سليفيا بلاث، دونت في ما يشبه اليوميات الوقائع والاختلاجات النفسية والمواقف التي صادفتها للمدة من 1940 – 1963، ما املى عليّ اجراء نوع من المقاربة بين هذه اليوميات وتلك التي صدرت لسماحة السيد محمد بحر العلوم، مع الفارق في البيئة والنوع المهني او الابداعي، لكن بدا لي ان القاسم المشترك هو الوعي بأهمية تدوين اليوميات والاقتناع بالدور الذي قد تضطلع به في قراءة الماضي وتصور وقائعه واستخلاص العبرة منه، وقد بدت اليوميات احياناً بالنسبة لي، اشبه بتقارير يسردها لنفسه، وقد رأينا انه من حيث النمط الاتصالي، كان سماحته يسجل الانطباعات والرؤى لنفسه، فيما نجد سواه يسجلها لاشخاص بعينهم، ولا سيما اذا كانت رسائل يتم تبادلها عند الضرورة، ويكشف عن تفاصيل جديدة من حياة الكاتب تغذي معلوماتنا السائدة المستمدة من واقع معاناته ومشاعره المتضاربة حيال السلطات او البيئة النجفية وعلاقة رموزها الحوزوية بالمحيطين المحلي والخارجي.

توثيق الاحداث

وفي المقدمة التي كتبها الدكتور ابراهيم بحر العلوم، يرى ان الشرقيين بشكل عام والعراقيين بشكل خاص يفتقرون الى توثيق الاحداث والمستجدات عل الصعيدين الشخصي والمؤسساتي وكذلك على صعيد آحداث البلاد.

كما يعترف بأن يوميات (سيدي الوالد)، وهو وصف اخلاقي ينطوي على وفاء نادر وهيبة، لن تشفى غليل اولئك الذين يتصورون انهم يجدون فيها تفاصيل الاحداث السياسية التي ألمت بالعراق ومرت بالنجف خلال العهدين الملكي والجمهوري، بل هي في الواقع ليست مذكرات سياسية بل نوع من التسجيل للاحداث التي سمع عنها سماحة السيد أو قرأها او عاشها.

وفعلاً فأن ما سجلته اليوميات لا يعدو عن تصوير حركة الاشياء والاحوال من حوله وحركته هو بالذات، كعنصر اجتماعي ووجيه ديني وعلم من اعلام مدينة تتسم بالفاعلية والاستقطاب. وبرغم اننا لا نعرف بالضبط دوافع او دواعي قيام السيد محمد بحر العلوم باعتماد هذا الشكل النوعي من التوثيق، فأن الذي نعرفه انه حرص طيلة ستة عقود على تكريس اوقات من يومه لتسجيل اهم او بعض ما صادفه او قام به او واجهه وهو يتفاعل مع مجتمعه ويقدم ما يستطيع تقديمه الى اسرته ومجتمعه وبلاده.

وربما تكشف اليوميات عن اشياء تبدو بسيطة جداً أو تمر على شؤون في غاية التعقيد وربما العكس الانسيابية، حتى لنستغرب كيف وقعت هذه الشؤون ضمن اولويات اهتماماته، بحيث أفرد لها سطوراً وتحدث عنها بكل وضوح واخلاص واريحية.واعترف، اني لست بصدد الافاضة في الحديث عن اهمية أو قيمة تلك الوقائع والجزئيات التي وردت في اليوميات التي ضمها كتاب يقع في نحو 850 صفحة من القطع الكبير، لكن المهم بالنسبة لي الاشارة الى الحالة التأملية التي دفعتني اليها وأنا اقوم بقراءة استطلاعية لليوميات في الفصل الثاني والثالث وجزء من الفصل الرابع وقد غطت الاعوام 1950 – 1953 تقريباً.

وفيما كنت اواصل المطالعة سجلت بعض الملاحظات الاولية التي قد تكون مفيدة عند اقرار النسخة النهائية لليوميات، حيث علمت من الدكتور ابراهيم بحر العلوم عزمه الاستفادة من الملاحظات التي تصله من الذين حصلوا على نسخ مهداة عن طريقه اليهم.

أولى الملاحظات اني وجدت الكتاب مثقل جداً  بما يلي:

1- التعريف المسهب بسيرة حياة سماحة السيد، وأزعم ان لا ضرورة لها، طالما ان الهدف هو احياء اليوميات وليس معرفة الكاتب، وقد قيل ان المعروف لا يعرف وان قامة علمية وسياسية كسماحة السيد محمد بحر العلوم، لا تحتاج الى اطناب أو تذكير بعطائها وانجازاتها ودورها الوطني والاجتماعي والمعرفي في مطبوع مكرس لهدف توثيقي.

2- الاغراق بالهوامش، وهي عملية اثقلت اليوميات بشروحات لا طائل منها احياناً، ولا ضرورة مرتجاة لها. فاليوميات وطبيعتها السهلة ولغتها البيضاء التي تقترب من لغة الصحافة، تورد مسميات ومدناً ومفاهيم ليست مقيدة ولا عسيرة على الفهم، كما ان بعضها يقع في محيط مدارك القراء بكل مستوياتهم واهتماماتهم.

فما الفائدة من الشرح المسهب – مثلاً – لمعنى سفرة العمارة الموسمية التي افرد لها نحو صفحة كاملة ونصف، بحروف ذات حجم صغير. وماذا يقدم للقراء التعريف بمدينة (جلولاء) او (المعقل) أو العمارة. أقول ذلك وانا متيقن ان الذين ينكبون على مطالعة الكتاب يهمهم أو يشغلهم قراءة اليوميات بقضها وقضيضها، ولا يولون الأهمية للهوامش التي تنطوي في الغالب، على لغة قاموسية جافة ومعلومات مكررة مستقاة من مصادر في متناول اليد.

قراءة النص

صحيح ان الهامش بلغة الباحثين، يرتقي احياناً، الى مرتبة تضاهي المتن وقد تكون اغنى منه، لكن الاغراق فيها يفقد القراء متعة مواصلة قراءة النص، أي انها تفقدنا خاصية متعة الانسجام او الاندماج مع النص، وبعبارة انها تسهم بتشويش الاتصال وتعوق الرسائل الاتصالية من الوصول الى الجمهور (القراء).

لقد انطوت بعض هذه اليوميات على دروس عابرة شملت لغة التخاطب المهذبة بين الاب والابن والمسافة التربوية المشيدة بقصد حفظ منزلات كل فرد من افراد العائلة. فسماحة السيد محمد لا يذكر والده الا بالادب الجم الذي تربى عليه فرد في اسرة عريقة عرفت بالتقوى والزهد وقداسة البناء الاجتماعي للعائلة، ولذلك هو لم يصف والده إلا بعبارة (سيدي الوالد)، وبدا لي ان هذه المفردة سارت السير الحسن كتركة محمودة تستخدمها الذرية جيلاً بعد جيل.

وأسجل للذين تولوا الحفاظ على قيمة وخصوصية هذه اليوميات، انهم لم يتدخلوا في صياغة بعض نصوصها أو يحورون محتواها بهدف طمس معالم القصد أو النية، بل تركوها على طبيعتها أو عفويتها الصادقة. فما نحن الا بشر في النهاية، ولسنا معصومون. ومن ذلك ما ورد في الصفحة 119 حيث تورد اليوميات قصة الفتاة الجميلة التي صادفها السيد في باص المصلحة، والبنت الكردية التي كانت في غاية الجمال وترتدي بيجامة لطيفة كما ورد في الصفحة 124. وان هذه القصص تضفي على اليوميات انطباعين، الأول انساني والثاني يعكس صدق المشاعر وشفافية العلاقات الاجتماعية. وفور اتمام قراءتي هذه النصوص استرجعت رؤية المؤلفة الهندية الحائزة على جائزة بوكر الأدبية الدولية بانو مشتاق (ان على الكاتب وصف الوردة واشواكها). وقبل نحو 75 عاماً افلح بحر العلوم الأب، بوصف الوردة التي لها عطر ولون أخاذ، لكنه لم ينس وصف الاشواك التي تدمي اليدين.

وثمة ملاحظة لا تفقد القيمة التاريخية لليوميات مؤداها مرور بعض الوظائف الدبلوماسية للبعثات الاجنبية في النجف، دون تدقيق كالقول (قنصل النجف) والمقصود في السياق، (القنصل الايراني)، ومرور بعض التوصيفات العشائرية دون تمحيص مثل الخلط بين (الحاجية) و(الخاجية) صفحة 125.

ولا يتحرج سماحة السيد محمد بحر العلوم من الاعتراف في كثير من ايامه بضيق اوضاعه المالية أو اجتياحه موجة افلاس او الاعتراف بان الوجيه الفلاني تحمل مصاريف سفره من بغداد الى النجف. صفحة 127.

كما لم يخف سماحته الازمات الاجتماعية التي تقع احياناً بينه وبين مزامليه او مع والده بحيث تتحول الجلسة التي تضمها الى (جو يتكهرب اعصاب تتوتر) صفحة 131 – 138، كما يعترف باستقراضه المال من بعض معارفه في النجف من اجل السفر الى بغداد، وحدوث مشاجرة (في المساء مع السيد علي الحكيم حول الأهلة) صفحة 148.

ويذكر سماحة السيد في يومياته بامانة وصدق نشاط بعض الجماعات السياسية ويصفها بالتقدمية مثل (انصار السلام العالمي) صفحة 155. ولعل ابلغ الايام وقعاً في نفسي كان 21 تموز 1951، حيث ذكر السيد انه (كان مفلساً وطلبت من والدتي مالاً فلم تعطني، فأضطررت الى عدم الذهاب الى الكوفة لعيادة أحمد شبر. فتألم والدي وتكلم علي ووبخني وتأذيت انا من ذلك)، لاحظوا اللغة التي كتب بها هذا الجزء من يومه الذي يقترب من اللهجة العامية، في وقت اسميه لغة السهل الممتنع. ان هناك الكثير مما يستوقف القارئ في هذه اليوميات، وربما تثير لدى بعض اصحاب القلم او الذين امتهنوا الكتابة، السؤال (ما الذي يمنع الواحد منا ان يخصص دقائق من وقته لتوثيق حركة يومه وادائه لكي يضع العبرة من وقائها وتجاربها أمام الاجيال بقصد استخلاص الفائدة وتصحيح المواقف؟

 


مشاهدات 126
الكاتب أحمد عبد المجيد
أضيف 2025/06/14 - 1:06 AM
آخر تحديث 2025/06/15 - 1:58 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 67 الشهر 9508 الكلي 11144162
الوقت الآن
الأحد 2025/6/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير