الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مشاركة العراق في قمة شرم الشيخ.. قراءة في محددات السلوك الخارجي وتداعيات الانقسام السياسي الداخلي

بواسطة azzaman

مشاركة العراق في قمة شرم الشيخ: قراءة في محددات السلوك الخارجي وتداعيات الانقسام السياسي الداخلي

محمد علي الحيدري

 

 

تُعدّ مشاركة العراق في «قمة شرم الشيخ للسلام» محطة كاشفة في مسار سياسته الخارجية خلال المرحلة الراهنة، إذ جاءت في سياق إقليمي يتسم بتصاعد الاستقطابات بين القوى الدولية والإقليمية، واستمرار التنافس على إعادة تشكيل التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وقد حملت هذه المشاركة دلالات مركبة لا يمكن قراءتها بمعزل عن البيئة السياسية العراقية الداخلية وتعقيداتها البنيوية.

فمن منظور تحليل السلوك الخارجي للدول، اتسمت مشاركة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بقدر من الحذر الاستراتيجي، ظهر في اشتراطه المعلن بالانسحاب في حال حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويعكس هذا الموقف محاولة لتفعيل مقاربة «التوازن الدبلوماسي»، بحيث يحافظ العراق على ثوابته المبدئية حيال القضية الفلسطينية وفي الوقت نفسه يبقي قنوات التواصل مفتوحة مع الشركاء الإقليميين والدوليين، ولا سيما الولايات المتحدة ومصر والدول العربية.

إلا أن هذا التوجه حمل في طياته تداعيات سياسية داخلية واضحة. فقد أثارت مشاركة بغداد في القمة جدلاً بين القوى العراقية بشأن حدود الاستقلالية في القرار السياسي الخارجي. وقد برزت في هذا السياق معارضة واضحة من زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، الذي وصف المشاركة العراقية في القمة بأنها «وصمة عار». ويأتي موقف الصدر في إطار رؤيته السياسية التي تقوم على رفض أي مسار قد يُنظر إليه بأنه انخراط في محاور إقليمية أو دولية على حساب الاستقلال الوطني للعراق. ويُفسّر موقفه في ضوء ثوابته المعروفة القائمة على رفض التطبيع مع إسرائيل ورفض النفوذ الأجنبي، سواء كان أمريكيًا أو إيرانيًا.

كما أعادت هذه المشاركة إبراز التباينات داخل قوى الإطار التنسيقي الحاكم. فقد دعمت بعض أطراف الإطار المشاركة على اعتبار أنها تعزز موقع العراق الدولي وتمنحه دورًا في الترتيبات السياسية الإقليمية، في حين رأت أطراف أخرى فيها اصطفافًا ضمنيًّا مع الأجندة الأمريكية–المصرية، بما قد يؤثر على علاقة بغداد مع طهران. ويكشف هذا التباين عن استمرار «تسييس السياسة الخارجية» في العراق، حيث تتحول الملفات الإقليمية إلى ساحات امتداد للصراع الداخلي حول توزيع السلطة.

وعلى الصعيد الانتخابي، من المرجح أن تُستثمر هذه المشاركة كجزء من استراتيجية الحكومة لتعظيم حضورها السياسي قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر 2025. وفي ظل غياب التيار الصدري رسميًا عن السباق الانتخابي، يسعى رئيس الوزراء الحالي إلى ترسيخ صورته كفاعل سياسي قادر على إدارة مروحة واسعة من التوازنات في الداخل والخارج. إلا أن هذا المسار يبقى محفوفًا بالمخاطر في ظل هشاشة التحالفات داخل الإطار التنسيقي، وتنامي توقعات الشارع العراقي بشأن المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية ملموسة.

أما على مستوى العلاقات بين المكونات، فيترافق المشهد مع حالة سيولة سياسية في المعسكر السني نتيجة تراجع هيمنة بعض القيادات التقليدية وظهور تكتلات منافسة، بينما يتعامل إقليم كردستان مع التطورات بروح براغماتية بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات المقبلة من تغيّر محتمل في ميزان القوى.

في المحصلة، فإن مشاركة العراق في قمة شرم الشيخ لا يمكن اختزالها في بعدها الدبلوماسي فحسب، بل تمثل اختبارًا مبكرًا لشكل التفاعلات السياسية في مرحلة ما قبل الانتخابات المقبلة. كما تعكس حدود قدرة العراق على تبني سياسة خارجية متوازنة في بيئة داخلية غير مستقرة ونظام إقليمي شديد الاستقطاب. وإذا لم تُدار تداعيات هذه المشاركة بحكمة سياسية عالية، فقد تتحول من فرصة لتعزيز الحضور الخارجي للعراق إلى عامل إضافي لتعميق الانقسام الداخلي وإعادة إنتاج الاستقطاب السياسي.


مشاهدات 125
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/10/14 - 2:47 PM
آخر تحديث 2025/10/15 - 3:39 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 95 الشهر 9626 الكلي 12149481
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير