طموح الحلبوسي وسط متغيرات إقليمية ضاغطة
مجاشع التميمي
لم يأتِ طموح رئيس مجلس النواب السابق وزعيم حزب “تقدّم” محمد الحلبوسي في التطلع لمنصب رئاسة الجمهورية من فراغ، بل يعكس تحوّلًا في موازين القوى الداخلية العراقية، وتغيرات إقليمية فرضت نفسها بقوة بعد 7 أكتوبر 2023.
ما شهده الإقليم من تراجع محور “المقاومة” وانكفاء الدور الإيراني – السوري، خاصة بعد انهيار المقاومة في غزة وانحسار حزب الله وسقوط النظام السوري أواخر العام الماضي، جعل من المشهد السني العراقي أكثر تحررًا من التبعية الجغرافية والسياسية التي كانت تفرضها خريطة المحور الممتد من طهران حتى بيروت. ومع تقلص هذا المحور، أصبح أمام المكون السني في العراق فرص جديدة لإعادة تموضعه السياسي ضمن فضاء عربي–غربي، يمتد من شمال تركيا، مرورًا بسوريا “أحمد الشرع”، ووصولًا إلى الخليج العربي.
في هذا السياق، تحمل مطالبة الحلبوسي برئاسة الجمهورية رمزية سياسية كبيرة، تتجاوز البُعد الشخصي أو الحزبي. فالسنة يرون في هذا المنصب مدخلًا لاستعادة التوازن في المعادلة السياسية العراقية، بعد أن ظلت رئاسة البرلمان، رغم رمزيتها، دون تأثير فعلي بسبب طغيان التوافقات التي غالبًا ما تتجاوز مؤسسات الدولة.
تحالفات إقليمية
ومن المهم قراءة هذا التحرك في سياق أوسع، يرتبط بإعادة صياغة التوازنات في الشرق الأوسط، وسط تصاعد الحديث عن “شرق أوسط جديد” تقوده تحالفات إقليمية ذات طابع اقتصادي–أمني، ترعاها واشنطن بشكل مباشر. فالدور الأميركي عاد للبروز بقوة، ليس فقط عبر دعم استقرار مناطق النفوذ التقليدية، بل عبر فتح المجال أمام قوى محلية — وخصوصًا السنّية منها — لإعادة تعريف دورها في النظام السياسي، ضمن ترتيبات ما بعد الانكفاء الإيراني.
الكرد، وتحديدًا الحزب الديمقراطي الكردستاني، قد لا يمانعون نقل هذا المنصب إلى طرف سنّي، خصوصًا إذا لم يؤثر ذلك على مكاسبهم الدستورية أو مراكزهم التفاوضية. أما الاتحاد الوطني الكردستاني، صاحب الحصة التقليدية في رئاسة الجمهورية، فقد عاد مؤخرًا إلى الواجهة بعد استعادة نفوذه في السليمانية وحلبجة، وقد يقبل بمنح المنصب لطرف آخر مقابل مناصب تنفيذية أو أمنية ضمن صفقة متوازنة.
إن المرحلة المقبلة في العراق ستكون مرهونة بقدرة القوى السياسية على قراءة التحولات الإقليمية والدولية بشكل واقعي. والحلبوسي، بما يمتلكه من تجربة وخبرة وحنكة تفاوضية، يدرك أن رئاسة الجمهورية ليست فقط منصبًا بروتوكوليًا، بل موقع يمكن أن يُوظّف لصالح استقرار المحافظات السنية، وإعادة التوازن داخل الدولة العراقية في ظل مشهد إقليمي يتشكل من جديد.