الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق والنظام العالمي 

بواسطة azzaman

العراق والنظام العالمي 

ضرغام علاوي 

انتهى عام 2023 بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات على النظام العالمي الذي اوجدته امريكا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتشضيه لعدد من الدول المتنافسة فيما بينها أو المتضادة احيانا بل والمتحاربة كما نشهده اليوم في الحرب الروسية الاوكرانية أو ما شهدناه امس بحروب الشيشان وبعدها في الحروب بين اذربيجان وارمينيا. و لهذا حمل عام 2023 خصوصية مهمة وبالغة كونه جاء سريعا بتفاعلاته مهما بتحركاته واضحا في صراعاته حافلا بأحداثه لكن نهايته لا تعني انتهاء ما حمله لنا من سمات محورية سيظل النظام العالمي يتشكل من خلالها في السنة الجديدة ولربما لسنوات أخرى عديدة قادمة. 
أن بعض أهم السمات التي ما من شك أنها استطاعت أن تجذب اهتمام المتابعين للشأن العالمي وتخلق تبعات أثرت على العديد من المعطيات التي نشاهدها في النظام العالمي الذي نعيشه. هو تَغيب أو تغييب دور الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية العالمية لصالح ترتيبات ثنائية أو جماعية مصغرة مثل مجموعة (السبع) و(الكواد) وتحالف (أوكوس) ومجموعة (بريكس) لدرجة أن بعض منظمات الامم المتحدة اصابها الشلل التام واخرها منظمة (الانروا) والتي تهتم باللاجئين الفلسطينيين لهو دليل واضح على انحسار العمل الجماعي العالمي واهدافه (العلنية على الاقل) في تحقيق الأمن والاستقرار والرخاء للعالم بأسره، فجاء عام 2023 مرسخا فكرة اهمال العمل الجماعي وظهور الثنائيات والتجمعات التي ترى في المؤسسات الدولية عائق في طريقها لتحقيق ما تصبو إليه من توسع ملحوظ بشكل أكبر عن ما كانت عليه في السابق، ولعل عام 2024 سيحمل في طياته استمراراً لهذه الحالة غير الإيجابية للعمل العالمي المشترك بل وربما ستتضخم الحالة وتكبر وسط هذه التحديات والتحولات الكثيرة.
السمة الثانية من حيث الاهمية  تمثلت بظهور الازدواجية  المعيارية في التعامل مع القضايا الدولية وبروز ظاهرة النفاق السياسي الدولي من قبل الدول الرئيسية التي من المفترض أن تكون صاحبة النظام ومن خلقه وثم فرضه على العالم وهي الدول التي طالما ادعت ممارسة حق تطبيق القانون الدولي الإنساني من دون تحيز لطرف ضد الآخر. فالموقف الدولي من القضيتين  الأوكرانية والفلسطينية أعطى انطباعاً واضحاً وجليا بأن هناك ازدواجية في المعاير المرتبطة بتطبيق القانون الدولي الإنساني، ففي الوقت الذي وقفت فيه الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية مع أوكرانيا في حربها مع روسيا بحجة تطبيق القانون الدولي الإنساني تخلت تلك الدول عن دعم ذلك القانون في الحرب الإسرائيلية على غزة. لتثبت بالدليل أن معايير القانون الدولي. مرتبطة بمصالح تلك الدول لا بالمصلحة العالمية لحفظ السلم والأمن الدوليين وفقاً الاحترام القوانين الدولية. 
عالم الجنوب
من اللافت ايضا هذا العام صار الحديث عن عالم الجنوب وما تمثله من دول أكثر حضوراً وقوة  مما كان عليه في السابق حيث ظهر جليا الكثير من العناوين التي تحمل في مضمونها أن (عالم الجنوب في مواجهة عالم الشمال) وأصبحت تلك العناوين في أدبيات دراسة التفاعلات الدولية بارزة الى حد كبير. كما  وبدأ مفهوم عالم الجنوب يتصدر العديد من الأدبيات الجيوسياسية والعلاقات السياسية . فبعد أن كانت دول الشمال هي مركز ثقل الاقتصاد العالمي منذ عام 1800 وحتى مطلع الألفية الثالثة، لاحظت مراكز الدراسات والبحوث أن دول الجنوب بدأت تنافس بقوة بل ولا نبالغ أنها صارت تأخذ زمام الريادة في بعض الحالات باعتبارها مركز آخر لا يقل أهمية عن دول الشمال، فمع تصاعد دول بحجم الصين والهند وروسيا والبرازيل فإننا أمام ثقل عالمي جديد يتحور خارج منظومة دول الشمال. ومن المكد أن هذه السمة هي التوجه الذي سيسير عليه العالم في المستقبل. 
سمة مهمة لا يجب تجاوزها هو الاهتمام العالمي الكبير في تطور الذكاء الاصطناعي الذي أصبح من أهم المواضيع التي شغلت بال الدول المتنافسة على الريادة العالمية لفهما الدقيق أن من سيمتلك الخبر والقدرة على تطويع هذا العلم سيمتلك عصا السبق في قادم الاعوام لذلك رصدت تلك الدول مبالغ كبيرة بما يخص المراكز البحثية والتطبيقية. لكن السؤال المحير هو كيف سيتم ضبط هذا التنافس أو (الصراع ) إن صح التعبير وتحويله لخدمة البشرية بدل أن يكون أحد أسباب دمار البشرية وكأني ارى الصراع المحموم في بداية اربعينيات القرن الماضي على انتاج القوة النووية التي أول ما استخدمت كأداة للقتل والتدمير وما زالت تحمل صفة (قنبلة موقوتة) قد تدمر البشرية كلها ذات يوم.
سمة مهمة وخطيرة في عام 2023 أنه كان العام الأعلى من حيث درجات الحرارة على الإطلاق، فكان من المفروض أن تتعاون الدول في مجال إيجاد حلول عملية لضبط هذا الارتفاع المهدد لحياة الانسان، ولم نشهد أي اهتمام حقيقي وسط قعقعة السلاح سوى بعض المحاولات الغير فاعلة مثل مؤتمر (كوب 28) في دبي ليحاول وضع بعض الأطر الإستثائية للحد من خطورة ارتفاع درجات حرارة الأرض.
وسط كل ما سبق نسأل كعراقيين ووطنيين السؤال التالي
(أين العراق من كل ما حدث وسيحدث؟)
حملات انتخابية
هل للدولة العراقية رؤية بعيدة المدى للاستفادة من كل هذا التسارع ؟
وهنا يأتي الجواب (كلا) طبعا . فحجم التخبط الداخلي للحكومات المتعاقبة ولد قصورا في الرؤية الاستراتيجية على مستوى الدولة وصار رؤساء الحكومات يعملون كـ(مدراء حملات انتخابية) اكثر من قادة للبلد فكل همهم كسب تأييد جماهيري اكبر من خلال الوظائف ورواتب الرعاية الاجتماعية دون التفكير في مصلحة الدولة العراقية والاثار الكارثية المستقبلية على الاقتصاد العراقي المعتمد اصلا على النفط فقط بينما غابت المشاريع الاستراتيجية والتنموية ومشاريع الطاقة المستدامة بل على العكس لاحظنا انحسار لنهري دجلة والفرات دون أي فعل حقيقي ومؤثر من الحكومة كذلك تراجع في المستوى التعليمي و العلمي والبحثي مما يولد لنا رؤية قاتمة لقادم الايام وبكل الاصعدة، السؤال الاخر هل تم اختيار الجهة التي ستكون معها في هذا الصراع الاقتصادي والسياسي بل والعسكري احيانا؟  
وهذا السؤال يقودنا لسؤال ادق واخطر وهو (هل يمتلك العراق القدرة على الاختيار؟) 
إن المتتبع للأداء الحكومي العراقي يجد أن قادة الحكومات منذ 2003 فاقدي السيطرة تماما على انتاج قرارات حرة تتناسب مع مصلحة البلد وذلك بسبب غياب البناء الصحيح للدولة العراقية بعد التغيير, فظهور الاحزاب الطامعة بمقدرات البلد والطامحة للسلطة بشتى الوسائل جعل اختراق المنظومة السياسية أمر هين جدا من قبل دول الجوار جميعا والعالمية ايضا وصارت الاحزاب تتباهى بعلاقاتها مع دول الجوار واجهزة مخابراتها دون ذرة حياء من الشعب والتأريخ لدرجة أن الشعب العراقي كفر بها ولم يعد يكن لها اي احترام.
أن القادم خطير على العراق وسط دوامات الصراعات الدولية وبدل أن نكون أحد الركائز الاساسية لما نمتلكه من موقع مهم في المفهوم الجيوستراتيجي وما تمتلكه هذه الارض من ثروات مهمة صار العراق ألعوبة تتجاذبها دول الجوار وامريكا, فأي تاريخ سيكتب عنكم وفي أي منزلة ستوضعون وكيف ستنظر لكم الأجيال القادمة
 


مشاهدات 281
الكاتب ضرغام علاوي 
أضيف 2024/03/09 - 12:17 AM
آخر تحديث 2025/06/04 - 2:40 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 141 الشهر 3863 الكلي 11138517
الوقت الآن
الأربعاء 2025/6/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير