الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تنزيه المجتمعات من الطائفية

بواسطة azzaman

تنزيه المجتمعات من الطائفية

مروه العميدي 

 

تنزيه المجتمع من الطائفية بات ضرورة ملحة، فهذه المعالجة تشكل مدخلا لإعادة نسيج المجتمع وبنائه على أسس قويمة سواء كانت إنسانية او حضارية.

 فالطائفية حالة من الانغلاق على الهوية الجزئية وظيفتها تمزيق النسيج الاجتماعي وتزرع الشك والعداء والكراهية في فضاء يفترض أن يكون جامعًا للإندماج والتكافل والإنسجام.

مصدر ثراء

وعندما أقول تنزيه المجتمع من الطائفية أعني بها حرفيًا تحريره من قيود الهويات الضيقة وإعلاء شأن المواطنة المشتركة التي لا تلغي التعددية الدينية أو المذهبية بل تجعلها مصدر ثراء روحي وثقافي.

وبهذا المعنى، لا يفهم (التنزيه) على أنه نفي للهويات أو محو التنوع داخل المجتمع الواحد، بالعكس تمامًا هو تهذيب للوعي الجمعي بحيث يتحرر من العصبية التي تحول الدين أو المذهب إلى أداة إقصاء وصراع، وعلى هذا الأساس يقول الفيلسوف الألماني المعاصر (يورغن هابرماس):«إن التواصل العقلاني هو الوسيلة الوحيدة لتجاوز الانقسامات، لأنه يجعل من الاعتراف المتبادل أساسًا للتعايش»، وهنا هو يربط فكرة التحرر من العصبيات بوعي جمعي قائم على الحوار لا الإقصاء.وما يؤكد قوله المفكر الإيراني (علي شريعتي) :«الدين الذي يتحول إلى أداة صراع مذهبي لم يعد دينًا، وإنما هو قناعًا لعصبيات قديمة»، مركزًا على ضرورة إعادة الدين إلى بعده الإنساني لا الطائفي.وتقتضي هذه الرؤية جملة من المسارات أولها المسار التربوي الذي يقوم على أساس غرس قيم التعددية والتسامح في المناهج والمؤسسات التعليمية، والمسار الثقافي الذي هو نتاج خطاب ثقافي وإعلامي يرسخ المشتركات الوطنية ويقاوم التنميط الطائفي، والمسار القانوني والسياسي الذي يهتم بوضع تشريعات تضمن المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم، وتمنع استغلال الطائفية في البنى الحزبية أو السياسية، والمسار الديني الذي يرتبط بترشيد الخطاب الديني وإبراز البعد الإنساني في الأديان والمذاهب بعيدًا عن الاستخدام التحريضي.ولا ننسى أن تنزيه المجتمعات عن الخصوصية الطائفية يخلق مجتمعًا قادرًا على توجيه طاقاته نحو البناء والإبداع، بدل أن يستنزف في صراعات هوية مغلقة، وهو بذلك يؤسس لشكل أرقى من الوطنية ويتجاوز الولاءات الجزئية إلى ولاء جامع للوطن والإنسان، وهذا ما أكد عليه الفيلسوف الفرنسي (إرنست رينان) في محاضرته الشهيرة -ما الأمة؟ - سنة 1882 إذ قال:«لا تقوم الأمة على وحدة العرق أو الدين أو اللغة، وإنما على الإرادة المشتركة في العيش معًا وعلى الذكريات المشتركة والرغبة في صناعة المستقبل».وهذا الرأي يعكس تمامًا ما أشرت إليه أن تجاوز الخصوصيات الطائفية يفتح الطريق نحو وطنية أعلى مبنية على إرادة البناء والإبداع بدل الانغلاق في صراعات الهوية.

 

 

 


مشاهدات 31
الكاتب مروه العميدي 
أضيف 2025/10/24 - 8:36 PM
آخر تحديث 2025/10/24 - 10:55 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 573 الشهر 16441 الكلي 12156296
الوقت الآن
الجمعة 2025/10/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير