هل فقدت الفصائل المسلحة في جنين السيطرة على الأرض؟
عائلات المفقودين في غزة تطالب حماس بالالتزام بالاتفاق للكشف عن مصير أبنائها
رام الله - لارا احمد
تشهد الساحة الفلسطينية توترًا متزايدًا بين عائلات المفقودين في قطاع غزة وحركة حماس، حيث وجّهت هذه العائلات نداءً عاجلًا تدعو فيه إلى عدم السماح لحماس بالتنصل من تنفيذ الاتفاق المتعلق بتبادل الأسرى والمفقودين، لما لذلك من أهمية إنسانية ووطنية كبرى. وأكدت العائلات أن أي تأخير أو مماطلة في تطبيق الاتفاق سيحرمهم من حقهم في معرفة مصير أحبائهم المحتجزين في سجون الاحتلال الإسرائيلي أو المفقودين منذ سنوات.
معلومات مؤكدة
وتشير المصادر إلى أن عشرات العائلات في غزة والضفة الغربية تعيش حالة من القلق والترقب، إذ لا تملك معلومات مؤكدة عن أبنائها الذين اختفوا خلال العمليات العسكرية أو فُقد الاتصال بهم في مناطق النزاع. وتؤكد هذه العائلات أن الأمل في الاتفاق القائم هو السبيل الوحيد لمعرفة الحقيقة، ولتحقيق بعض من العدالة التي طال انتظارها.
وقد عبّر عدد من ذوي المفقودين عن استيائهم من غياب الشفافية، مطالبين الجهات المعنية، وفي مقدمتها حركة حماس، بالوفاء بالتزاماتها الإنسانية والسياسية. وأشاروا إلى أن المسألة لا تتعلق بالمكاسب السياسية أو التفاوضية، بل هي قضية إنسانية في المقام الأول، تمس مشاعر مئات الأمهات والآباء الذين يعيشون على أمل تلقي خبرٍ يضع حدًا لمعاناتهم الطويلة.
من جهة أخرى، ترى أوساط حقوقية أن التزام جميع الأطراف بتنفيذ الاتفاق بشفافية كاملة من شأنه أن يخفف من حدة التوتر الداخلي، ويعزز الثقة بين الشعب الفلسطيني ومؤسساته. كما دعت منظمات إنسانية إلى تحييد هذا الملف عن التجاذبات السياسية، والتعامل معه وفق المعايير الإنسانية التي تضمن لكل إنسان حقه في الحياة والمعرفة والكرامة.
وفي ظل هذه النداءات، يبقى السؤال المطروح: هل ستلتزم الأطراف بتنفيذ الاتفاق بما يضمن الكشف عن مصير المفقودين؟ أم ستستمر المعاناة في ظل الغموض والانتظار؟ ما تطلبه العائلات بسيط وواضح — الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة.
ويشهد معبر الملك حسين – الشريان الحيوي الذي يربط الضفة الغربية بالعالم الخارجي – إغلاقًا تامًا أمام حركة الأفراد والبضائع بعد حوادث إطلاق النار الأخيرة، ما تسبب في أزمة إنسانية خانقة تطال حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين. هذا الإغلاق ليس مجرد إجراء أمني مؤقت، بل يمثل امتدادًا لسياسات الاحتلال التي تُقيّد حرية الحركة وتفرض واقعًا من العقاب الجماعي على المدنيين الأبرياء.
تعتمد آلاف العائلات الفلسطينية على هذا المعبر للسفر، للعلاج، أو للعمل، فضلاً عن كونه المنفذ التجاري الأساسي لاستيراد البضائع والاحتياجات اليومية. ومع توقف الحركة بشكل مفاجئ، تعطلت مصالح الناس، وتأثرت الأسواق، وتكدست البضائع، ما زاد من معاناة السكان الذين يعيشون أصلًا تحت ظروف اقتصادية صعبة.
لقد عبّر مسؤولون في السلطة الفلسطينية عن إدانتهم الشديدة لهذه الإجراءات، واصفين إياها بأنها "سياسة عقاب جماعي" تتنافى مع القانون الدولي الإنساني، لأن العقوبة تُفرض على الشعب بأكمله بدلًا من مَن ارتكب الفعل. ومع ذلك، يدرك هؤلاء المسؤولون أن الخاسر الأكبر من هذا الإغلاق هو المواطن الفلسطيني البسيط، الذي يجد نفسه في مواجهة تبعات القرارات العسكرية دون حول أو قوة.
تحقيق الامن
إن استمرار مثل هذه الممارسات يفاقم التوتر ويُغذي الإحباط واليأس، بدل أن يسهم في تحقيق الأمن أو الاستقرار. المطلوب اليوم هو تحرك دولي عاجل لإعادة فتح المعبر، وضمان حرية تنقّل الفلسطينيين وفقًا للمواثيق الدولية، ووقف استهداف المدنيين تحت ذرائع أمنية. فحرية الحركة ليست امتيازًا، بل حقٌّ إنساني أساسي يجب أن يُصان في كل الظروف.
كما شهدت مدينة جنين ومخيمها في الأسابيع الأخيرة مشاهد غير مألوفة، حيث لم تحظَ جنازات عدد من المسلحين الذين قُتلوا خلال المواجهات مع قوات الاحتلال بحضورٍ شعبيٍ كبير كما جرت العادة. هذا التراجع الملحوظ في حجم المشاركة يثير تساؤلات عديدة حول مدى تمسك الشارع الجنيّني بالفصائل المسلحة، وحول التحولات في المزاج الشعبي داخل المخيم الذي كان يُعتبر لسنوات رمزاً للمقاومة.
يُرجع البعض هذا التراجع إلى حالة الخوف التي تفرضها العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، والتي باتت أكثر عنفاً وتنظيماً، إذ لم تعد تقتصر على ملاحقة عناصر محددة، بل تمتد لتدمير البنية التحتية داخل المخيم، واعتقال المئات من شبابه. هذا الواقع الأمني القاسي جعل كثيراً من الأهالي يفضلون الابتعاد عن المشهد المسلح، خشية فقدان أبنائهم أو تدمير منازلهم.
في المقابل، يرى آخرون أن السبب يتجاوز عامل الخوف، ويكمن في تراجع الثقة الشعبية بالفصائل نفسها، بعد أن تحولت بعض المجموعات المسلحة إلى كيانات تعمل بمعزل عن الشارع، دون رؤية سياسية واضحة أو تنسيق موحد. كما أن غياب القيادة الموحدة داخل المخيم، وتعدد الولاءات التنظيمية، خلق حالة من الفوضى والانقسام الداخلي، مما أضعف صورة "المقاومة المنظمة" التي لطالما كانت مصدر فخر لسكان جنين.
ومع ذلك، لا يمكن القول إن فكرة المقاومة قد انتهت في جنين. فالمزاج العام لا يزال رافضاً للاحتلال، لكن التعبير عنه ربما بات أكثر حذراً وعقلانية، بعيداً عن المواجهة المباشرة التي أثبتت كلفتها العالية. يبدو أن جنين اليوم تقف عند مفترق طرق: بين استمرار النضال المسلح التقليدي، أو البحث عن أشكال جديدة للمقاومة تحفظ كرامة الناس وتضمن بقاءهم على أرضهم.