زمان جديد
حكاية غريق
كامل عبد الرحيم
قد تكون (حكاية غريق ) هي أول ما كتب الروائي غابريل غارسيا ماركيز، هكذا قرأت قديما وليس هو المهم، المهم هو الغرق نفسه فهو موت آخر، أو بعبارة أخرى هو حياة أخرى فالمدفن المائي هو الأكثر عذابا للموتى وكذلك هو الأكثر حياة.
هناك الدفن تحت التراب أو الحرق وكلاهما أكثر رحمة من الدفن بالماء.
التــــراب والنار والماء، المصادر الــــــثلاثة الأولى للطبــيعة ولا نقول الحياة أما الهواء فشيء آخر، حيث هو الحياة.
يستخدم الماء لطمس الأثر والتراب لتخليده والنار للتفوق عليه بإزالته وتحويله إلى رماد.
لماذا يحتفظ النهر ببعض الموتى ولماذا يرفض غيرهم ويلفظهم، تلك قصة أو هي قصة النهر، فللأنهار ذاكرتها ومزاجها أو هي ذاكرة الهامشيين والمنسيين والمظلومين والعابرين من غير هدى، لدينا قصص كثيرة عن ذاكرة الأنهار فلماذا احتفظ دجلة بعبد الكريم قاسم عندما عجز أعداؤه والتراب عن طمس أثره.. هناك قصة اليوم عن ذاكرة دجلة وحتى سخريته من سردية جفافه واندثاره، هي قصة الشاب حسين الجياشي والذي يرفض النهر مبادلتها بعويل الأمهات ولا بارتفاع البيارق والرايات.. تقول القصة التي ستبقى طويلا على ما يبدو بأن الشاب حسين الجياشي جاء إلى بغداد مع أصدقائه من السماوة واختاروا السباحة في أكثر الأجزاء غواية من جسد النهر، في منطقة الكريعات فاحتفظ به النهر في مدفنه المائي الخالد.. هب أهالي المنطقة ومن ثم فزعة العشائر وتطوع الغواصون من كل العراق في وحدة وطنية لا تليق إلا بدجلة، لكن دجلة يـــــأبى الاستجابة لدموع والد حسين ولا أمه التي تتمسك بأذيال الغواصين، الذين يتكلمون بكل اللهجات لكنهم يبــــــكون بذات الدموع عندما يسمعون أم حسين وهي تتوسلهم ( هاتوا لي ابني) لكن للنهر رأي آخر، وجد الغواصون جثثا عديدة، ربما لمنتحرين عشقا أو يأسا أو لمغدورين من كل حروب بغداد، بالطبع لم يكن عبد الكريم قاسم بينهم وربما لن يكون حسين بينهم.
قد يكون المدفن المائي هو الأكثر رعبا للأحياء لكن للنهر رأيه، لماذا جاء حســـين إلى هنا ولماذا كافأه النهر بالخلود.
قد يكون للموت غموضه وصمــته وهيبته لكن للنهر جماله وأسراره، ولن يبوح بها لأحد..