حكاية لون وشعر وتراث بمعرض أحمد دخيل
تشكيلي يوظف الحرف في الرسم التعبيري والإنطباعي التجريدي
الموصل- علي الدليمي
(حكاية لون وشعر وتراث) هو عنوان المعرض الشخصي الحادي عشر للتشكيلي أحمد دخيل النقيب، الذي أفتتحه رئيس جامعة نينوى أسامة المشهداني على قاعة الخيمة للبناء والسلام ،بحضور جمهور غفير من المثقفين والأدباء والفنانين، حيث تم عرض 22 لوحة نفذت بالألوان المائية والأكريليك. اللوحات تجسد نصوصا شعرية لشعراء عراقيين وعرب، بالإضافة إلى مواضيع تراثية تخص البيئة العراقية الأصيلة.
بعد الافتتاح، ألقيت محاضرة فنية عن كتاب صدر عن مسيرة الفنان النقيب. قبل توقيعه بعنوان (قراءة النص الشعري تشكيليا لونا وتراثا)، قدمها الناقد موفق الطائي. وتحدث فيها الأديب والمؤرخ نجمان ياسين عن تجربته الفنية وعن الأعمال وعن محتوى الكتاب. مثلما تتألف اللوحة الفنية من علامات متميزة، مثل حجم النقطة وسمك الخط ورمزية اللون وصور الأشكال الهندسية، التي تبهر الأبصار وتلفت الأنظار من خلال تكوينها المتوازن ومعالجة موضوعها الفكري بتصوير ذهني متقد ومتميز، كذلك الشعر يتألف من حروف وكلمات وجمل بلاغية عالية القيمة، لتشكل جرسا نغميا يشنف الأسماع.فاللوحة قبل الرسم عليها هي سطح أبيض أملس، لا قيمة له ولا وجود، ولكنه مهيأ لاستقبال أي بقعة لونية أو خط هندسي ليأخذ مكانه الصحيح الذي يرتضيه فكر الفنان، ليتحول بعد ذلك إلى مشهد لوني يتفاعل مع بصيرة وذائقة المتلقي. ورسم النقيب كل ما يجول في خياله وخواطره، وفق رؤيته في المدارس والمذاهب الفنية المتنوعة. لقد طبق رؤيته الفنية في رسم الواقعية والانطباعية والتراثية وفق منهج الريشة الأكاديمية الخالصة، مع التركيز على المنظور والبعد الثالث والظل والضوء. كما رسم التعبيرية وفق رؤية ريشته بمفاهيم السريالية والرمزية والتجريدية، مما أظهر تنوعًا فنيًا في أعماله.
ويبحث النقيب بشكل متواصل في عالم التراث والفلكلور، خصوصا في جغرافية بيئته الغنية بهذه السمات الجميلة، وهي مدينة الموصل. المدينة التي ولدت عشرات المبدعين في جميع مجالات الفن والأدب والعلوم الإنسانية، الذين أصبحوا نجوما ساطعة في فضاء الإبداع العراقي والعالمي. وقد ذكر دخيل في مقدمة كتابه نفسه بأنه أحد حراس الذاكرة الموصلية، مما يبرز ارتباطه العميق بتراث مدينته وثقافتها.
تجارب فنية
وأحمد النقيب، فنان يتمتع بتجارب فنية متواصلة في الرسم والخط والفنون الإسلامية، وتجاربه الفنية متغيرة باستمرار وفقا لخواطره وانتباهاته الفكرية المتجددة. لديه ولع شديد بالبيئة الموصلية ومفرداتها الغنية بالرموز الإنسانية وألوانها المتنوعة. هذه المفردات تحولت في أعماله إلى عوالم تنبض بالحيوية والإدهاش، حيث يقوم بفك رموزها بمهارة وإحاطتها بأسلوبه المميز. ويعد أحمد النقيب فنانا مبدعا، وقد ترك إرثا فنيا واضحا في المشهد الفني الموصلي والعراقي.
وجمع النقيب بين الرسم الانطباعي والتعبيري التجريدي، والأصالة في التراث والمعاصرة، من خلال توظيف الحرف العربي في معظم لوحاته كعنصر فني تشكيلي متكامل. استخدم الخط الكوفي كخصوصية أساسية في العمل التشكيلي، مع الحفاظ على القواعد الأساسية للحرف.. عند توظيف الحرف في اللوحة، يأخذ شكل المنظور، مع الظل والضوء واللون، ليصبح عنصرا جماليا مهما. عند جمع الحروف، تتكون كلمة أو جملة ذات معنى في اللوحة من خلال التركيبة الخاصة، التي تعبر عن محتوى اللوحة، سواء كانت بالألوان المائية أو الزيتية أو الأكريليك. بهذه الطريقة، تحقق الجمع بين الحرف العربي واللوحة التشكيلية.
وترجع بداية رحلة الفنان أحمد النقيب مع فن الرسم والخط العربي إلى الصبا، وتحديدا في مرحلة الدراسة المتوسطة عام 1970. في ذلك الوقت، بدأ يمارس الرسم والخط بفضل الأستاذ نذير الصفار، الذي أدخل فنون الخط العربي إلى مرسم المدرسة جنبا إلى جنب مع الرسم التشكيلي. مزج أحمد في لوحاته بين الرسم الأكاديمي والخط الكلاسيكي، وقد شارك بثلاث لوحات في إحدى المناسبات، منها لوحة كتبت بخط الثلث.وكان للمبدع يوسف ذنون أثر كبير في وصوله إلى مرحلة المشاركة في المعرض القطري عام 1974، حيث حصل على جائزة في ذلك المعرض، وكان سعيدا جدا بهذا الإنجاز. بعد ذلك، التحق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، قسم الفنون التشكيلية، ليواصل تطوير مهاراته الفنية.
ولد أحمد النقيب عام 1957. حاصل على دبلوم الرسم من معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1980، والبكالوريوس من كلية الفنون الجميلة عام 1990، والماجستير عام 2011، والدكتوراه عام 2014. كما حصل على الدكتوراه الفخرية في الفن التشكيلي من الأكاديمية العالمية الصوفية عام 2018.بدأ حياته العملية معيدا في معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1980، وتدرج في المناصب الإدارية حتى أحيل على التقاعد عام 2010. وهو عضو في العديد من الهيئات والجمعيات الفنية، وحصل على جوائز عديدة، منها الجائزة العربية للإبداع الثقافي عام 2013. أقام العديد من المعارض الشخصية والجماعية داخل العراق وخارجه، وله إسهامات في تصميم الشعارات والبوسترات.