الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حملات إنتخابية بالكبسة

بواسطة azzaman

حملات إنتخابية بالكبسة

ياس خضير البياتي 

 

في كل موسم انتخابي في العراق، لا تحتاج إلى تقويم لتعرف أن موعد الانتخابات قد اقترب…يكفي أن تنظر إلى العمارات، الجدران، أعمدة الإنارة، وحتى على بعض الحمير في الأرياف — فكل شيء صار قابلًا لتحمّل وجه مرشح يبتسم بثقة مصطنعة كأنه فاز بجائزة نوبل للتواضع!

في العراق، الانتخابات ما هي إلا «كبسة سياسية» كبيرة كل موسم؛ نرش الملصقات، ونقلي الوعود في الزيت الحامي، ونضيف رشة وعود “تغيير”، ونقلب المايكروفونات على نار الفرح الكاذب. ومع كل كبسة انتخابية، تتكرر الحكاية: نفس الطباخين، نفس الوصفات، ونفس النتيجة… طبق مليء بالوعود الفارغة، يُقدّم على طبق من الفساد والطائفية!

المعركة الانتخابية تبدأ قبل أن يُكتب البرنامج… وأحيانًا قبل أن يعرف المرشح نفسه كيف يُلفظ اسم «الديمقراطية». تبدأ الحرب من حجم الصورة. كل حزب يريد صورته أعلى، أضخم، أكثر لمعانًا… وكأن الحجم هنا دلالة على «الإنجاز»، وكلما كبرت الصورة زاد احتمال تصغير الشعب.

بل إنك ترى صورًا تحتل كامل واجهة بناية، بينما أهل البناية لا يملكون ثمن إصلاح المصعد! المرشح يتدلّى من برج سكني يفتقر للماء والكهرباء، ومع ذلك يَعِدُ بـ “نهضة عمرانية شاملة»! وهنا تسأل نفسك: هل هذه حملة انتخابية أم افتتاحية لفيلم أكشن؟

ظاهرة التعدي على صور المرشحين صارت من طقوس الانتخابات، بل تُمارس بحماسة تكاد تفوق حماسة التصويت نفسه! تمزيق… حرق… رَشُّ سبراي أسود على الوجوه… وأحيانًا رسومات فنية تحوّل المرشح إلى مهرّج أو كائن فضائي.

نفسيا، يمكن تفسير هذه الظاهرة كتنفيس جماعي مكبوت لشعب غاضب لا يستطيع محاسبة السياسي فيمزق صورته. اجتماعيا، هي صرخة احتجاج بدائية تقول: «كفى وجوهًا مكررة! «لكن المشكلة أن نفس الأيدي التي مزقت الصور قد تعود لتصفق له بعد الانتخابات، إن جاء بـ»بطانيات خيرية» و»كارتات شحن».

المال الانتخابي، لغز محيّر مثل مثلث برمودا. مرشح بلا وظيفة ولا سجل ضريبي، يملأ الشوارع بإعلانات ممولة ومهرجانات أكبر من مهرجانات الأوسكار. السر، تمويل حزبي، أو مقاولات سياسية، أو ببساطة: استثمار في الغيب.

الأحزاب الكبيرة سيطرت على الحملات، تمامًا كما سيطرت على الدولة. النتيجة؛ المرشح الصاعد لا يصعد ببرنامجه، بل بـ “الرافعة الحزبية». أما المستقل الحقيقي، فمكانه في زاوية صغيرة من الملصق، قرب حاوية قمامة، إن حالفه الحظ.

حين يتحدث المرشح على التلفاز أو في فيسبوك، يُخرج من جيبه برنامجًا يشبه وصفة طبخ مجهولة المصدر. «سنعيد البسمة إلى الوطن»… (وكأن الوطن ينتظر موعد طبيب أسنان!) ، مرشح يتحدث عن «دعم الزراعة»، وهو لا يفرّق بين الطماطم والبطاطا. وآخر يُبشّرك بإصلاح التعليم، وهو بالكاد أنهى المتوسطة! وثالث يعدك بـ “نهضة اقتصادية»… وقد أمضى حياته يركض خلف الإعانات، لا المشاريع!

المشكلة لا تكمن في المرشح وحده، فذلك مجرد «ممثل ثانوي» في فيلم طويل من إنتاج المواطن نفسه. نعم، المواطن… هذا الناخب الذي يملك القدرة الخارقة على أن يشتكي من الفساد صباحًا، ويصوّت له مساءً!

المواطن الذي لا يقرأ، أو يقرأ ويضحك، ثم يصوّت لنفس الوجوه لأن «ابن خال جارهم جربه ويقول خوش آدمي». وفي كل دورة، نعود لنفس النكتة الثقيلة: الشعب يقول «ماكو أمل»، ثم يصوّت للي خلى الأمل مثل الكهرباء… موجود بس على الورق! وبعد الانتخابات يرجع المواطن يسبّ، ويصرخ، ويكتب منشورًا غاضبًا: «كلهم حرامية!»… لكن في الانتخابات المقبلة، سيصوّت لنفس الحرامي!

في النهاية، الحملات الانتخابية في العراق ليست منافسة برامج، بل «كبسة سلطة «ومهرجان صور وأموال ومزايدات. لا تُقاس فيها كفاءة المرشح بطرحه للبرنامج، بل بمساحة صورته على البرج، وعدد السيارات في موكبه، وهي تشبه إعلان حبوب التخسيس: وعود بنتائج سريعة، صور قبل وبعد، لكن الوزن الوحيد اللي ينقص هو وزن جيب المواطن، أما الكروش السياسية... فتكبر مع كل دورة!

 

 


مشاهدات 35
الكاتب ياس خضير البياتي 
أضيف 2025/10/12 - 3:32 PM
آخر تحديث 2025/10/13 - 5:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 128 الشهر 8308 الكلي 12148163
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير