الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بغداد تختنق والموت قادم والضمير غائب

بواسطة azzaman

بغداد تختنق والموت قادم والضمير غائب

حيدر عبدالجبار البطاط

 

قمتُ بزيارة إلى العاصمة بغداد بتاريخ 10 / 10 / 2025 ومنذ اللحظة التي دخلت فيها من ناحية الدورة باغتتني رائحة خانقة من عوادم السيارات والغاز المحترق والملوثات الثقيلة التي تخترق الصدر وتُتعب التنفس.

كان الهواء ثقيلاً مشبعاً بالدخان والروائح الكيمياوية وكأن المدينة تحترق  ببطء تحت سماءٍ رماديةٍ لا تعرف النقاء.

هذا المشهد ليس عرضياً بل نتيجة سنوات طويلة من غياب التخطيط العلمي وتغليب المصالح المادية والربح السريع على حساب صحة الإنسان.

بغداد اليوم أصبحت نموذجاً مؤلماً لمدينةٍ اختنقت بين أبراج إسمنتية شاهقة تُبنى بلا دراسات بيئية وجسور  خرسانية تغلق مسارات الهواء الطبيعي وأراضٍ زراعية تُجرف كل يوم لتتحول إلى كتلٍ صمّاء لا تنبت فيها حياة.

وقودٌ سامّ… وموتٌ بطيء في الشوارع

المشكلة الكبرى تبدأ من نوعية الوقود الرديء المستخدم في المركبات.

فالمحروقات المنتجة في أغلب المصافي العراقية تحتوي على نسب عالية من الكبريت والمعادن الثقيلة وتُستهلك دون أي التزام بالمواصفات الدولية المعتمدة.

هذا الوقود الفاسد لا يحرق فقط في المحركات بل في رئات الناس أيضاً.

 

تبيّن الإحصاءات أن مستوى الجسيمات الدقيقة (PM2.5) في هواء بغداد تجاوز 50 ميكروغراماً لكل متر مكعب أي ما يعادل عشرة أضعاف الحد الآمن الذي توصي به منظمة الصحة العالمية.

هذه الجسيمات القاتلة ترفع خطر أمراض القلب والجلطات وسرطان الرئة بنسبة تفوق 50‎%‎ على المدى الطويل.

بغداد… مدينة بلا تنفس

في الوقت الذي ترتفع فيه الأبنية بشكل عشوائي دون حسابٍ لاتجاه الرياح أو مسارات الهواء تتناقص المساحات الخضراء التي كانت رئة العاصمة.

الزحف العمراني غير المنضبط وتجريف الأراضي الزراعية وتحويل الحدائق إلى مشاريع تجارية — كل ذلك جعل المدينة تختنق داخل دائرة مغلقة من التلوث والحرارة.

لم تعد بغداد قادرة على طرد هوائها الفاسد أو امتصاص ثاني أكسيد الكربون ومع ازدياد درجات الحرارة كل صيف تتحول المدينة إلى غرفة غاز ضخمة يعيش فيها أكثر من ثمانية ملايين إنسان وسط خطر  صامت ومستمر.

أين العلم؟ …  وأين الضمير؟

كيف تُرسم الخطط وتُمنح الإجازات لمشاريع عمرانية دون دراسةٍ بيئية واحدة؟

كيف يُسمح بإنتاج وبيع وقودٍ ملوّثٍ يخالف أبسط المواصفات العالمية؟

وأي منطق يبرر استمرار بناء الجسور والأبراج بينما الهواء الذي يتنفسه المواطن أصبح أخطر من سُمٍّ بطيء؟

إن ما يحدث في بغداد هو جريمة بيئية مكتملة الأركان يتحمل مسؤوليتها كل من سمح أو سكت أو استفاد.

لا يمكن لأي دولة أن تتحدث عن التنمية فيما مواطنوها يختنقون في مدنهم.

التنمية لا تُقاس بعدد الأبراج أو الجسور بل بنقاء الهواء وصحة الإنسان.

الإنذار الأخير

 

إذا استمر هذا الإهمال البيئي فإن بغداد ستُدرج قريباً ضمن المدن غير الصالحة للعيش 100‎%‎ وفق المؤشرات العالمية.

الحلول ممكنة لكنها تحتاج إرادة وطنية تضع صحة الناس فوق مصالح المقاولين وتعيد الاعتبار للتخطيط العلمي والبيئي و تُلزم المصافي بتحسين جودة الوقود فوراً.

 

صحة المواطن ليست بنداً ثانوياً في خطة الربح بل هي جوهر بقاء الدولة.

وما لم تستيقظ المؤسسات المعنية من سباتها فإن بغداد — عاصمة الحضارة — ستتحول إلى عاصمة للاختناق


مشاهدات 50
الكاتب حيدر عبدالجبار البطاط
أضيف 2025/10/12 - 11:15 PM
آخر تحديث 2025/10/13 - 3:11 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 74 الشهر 8254 الكلي 12148109
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير