الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الصين تخنق أمريكا... هل تنذر القيود على المعادن النادرة بحرب عالمية ثالثة؟

بواسطة azzaman

الصين تخنق أمريكا... هل تنذر القيود على المعادن النادرة بحرب عالمية ثالثة؟

ناجي الغزي

 

القرار الصيني الأخير بتشديد قيود تصدير المعادن النادرة والمغناطيسيات الحساسة أخرج الشق الاقتصادي من غرفة المفاوضات إلى ميدان المواجهة السياسية. الردّ الأمريكي السريع بتهديدات رسوم جمركية هائلة وتصريحات حول أدوات ضغط بديلة رفع سقف التوتر بين العملاقين، بينما تتعقّد الصورة عسكرياً على خلفية نقاشات حول تسليم صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا وضغط على البنى التحتية للطاقة الروسية. هذه الحلقة من التصعيد تطرح سؤالًا مفاده: هل نحن أمام حرب اقتصادية طويلة قد تتحول باندفاع سياسي، أو خطأ حسابي، إلى مواجهة مسلحة إقليمية أو حتى أوسع؟

 

ما الذي فعلته الصين؟

 

بكين وسّعت رقعة المواد الخاضعة لرقابة التصدير لتشمل عناصر ومغناطيسيات تستخدم في أشباه الموصلات والأنظمة الدفاعية، ووضعت شروط تراخيص صارمة للتصدير خاصة في الاستخدامات العسكرية والصناعات الدقيقة. هذه الخطوة جاءت بعد سنوات من إبقاء الحصة الأكبر من سلسلة القيمة لمعالجة المعادن النادرة داخل الصين، ما يمنحها قدرة فعلية على تعطيل إمدادات حرجة للعالم الصناعي. النتيجة العملية: اضطراب فوري في سلاسل الإمداد، ضغوط على شركات إلكترونيات وسيارات وبالطبع قطاع الدفاع.

 

ماهي ردود واشنطن وما المخاطر الناتجة؟

 

الرد الأمريكي شمل تصريحات تهديدية بفرض رسوم جمركية كبيرة (ذكرت بعض المصادر تهديداً برفع الرسوم على الصين بنسبة 100٪ أو زيادات كبيرة، وإشارات إلى أدوات ضغط أخرى على الصين، بما فيها قيود تكنولوجية أو تدابير مع حلفاء لتأمين بدائل للإمدادات. هذا المزيج من الإجراءات الاقتصادية المتبادلة يطلق دورة تصعيدية، كلّ قرار يقود نظيره إلى رفع السقف. الأسواق المالية سجلت ردود فعل فورية ، تقلّبات في الأسهم وسندات الخزانة وأسعار المعادن . حيث شهدت البورصات العالمية موجة بيع واسعة وتراجعاً حاداً في أسهم الشركات القيادية، وسط حالة من الذعر دفعت المستثمرين إلى الهروب من المخاطر. ومع تصاعد التوترات، اتجهت رؤوس الأموال نحو الملاذات الآمنة، حيث ارتفع الإقبال على الذهب والنفط وبعض العملات المستقرة بوصفها أدوات حماية في زمن الأزمات. اما العملات الرقمية: عانت من خسائر فادحة، حيث يُنظر إليها كأصول عالية المخاطرة في فترات الاضطراب. وكذلك النفط:  شهد هبوط في خام برنت وخام تكساس، وهذا مؤشر على توقعات ضعف الطلب أو اضطراب في سلاسل الإمداد.

هذه الحلقة من التصعيد تطرح سؤالاً مفاده: هل نحن أمام حرب اقتصادية طويلة قد تتحول باندفاع سياسي، أو خطأ حسابي إلى مواجهة مسلحة إقليمية أو حتى أوسع؟

 

الحرب التكنولوجيا و مواد الخام

 

بينما ركّزت واشنطن على قطع الطريق أمام بكين في مجال التكنولوجيا المتقدمة، ولا سيما صناعة أشباه الموصلات، جاء الردّ الصيني ببرودٍ محسوب وحنكة استراتيجية: "إذا حجبتم عنا الرقائق، سنحجب عنكم المواد التي تُصنع منها."

بهذه الخطوة، نقلت الصين الصراع من ميدان التكنولوجيا الفائقة إلى ساحة أكثر عمقاً وحساسية،  حرب الموارد الحيوية. فالمعادن النادرة لم تعد مجرّد سلعة اقتصادية، بل أصبحت حجر الأساس في الصناعات الدفاعية الحديثة، من الرادارات وأنظمة التوجيه الذكية إلى الصواريخ الدقيقة والطائرات المقاتلة. أي اضطراب في تدفق هذه المواد يعني عمليًا تعطّل خطوط الإنتاج العسكري الأمريكية، ما يُضعف قدرتها على إدارة أو خوض أي صراع كبير.

وبذكاءٍ استراتيجي، نجحت بكين في تحويل سلاح الاقتصاد إلى أداةٍ تخترق الأمن القومي الأمريكي ذاته، دون إطلاق رصاصة واحدة.

 

 

الانعكاسات الإقليمية: إيران في قلب اللعبة

 

التحرك الصيني لم يأتِ بمعزل عن التوتر في الشرق الأوسط. فمن خلال خنق سلاسل الإنتاج العسكري الأمريكي، تمنح بكين طهران مساحة مناورة أوسع في ظل الحديث عن تصعيد محتمل ضدها. فالصين لا تسلّح إيران بشكل مباشر، لكنها تمنحها هامش وقت استراتيجي عبر إبطاء قدرات خصومها. إنه دعم صامت بالاقتصاد بدل الصواريخ، وهو في النهاية لا يقل تأثيراً.

الخليج:  سيُطلب ترامب من دول الخليج ضخ المزيد من النفط لتعويض خسائر محتملة في الإمدادات؛ ذلك يعطي الخليج دوراً استراتيجياً، لكنه يضعها تحت ضغوط سياسية كبيرة للاختيار بين أطراف الصراع.

 

العراق: يجب عليه ان يلتزم الحياد الذكي والوساطة، لكونه بلد هش عسكرياً، كما يمكنه تجنب المواجهة  والحفاظ على توازن تجنّباً للاستقطاب المباشر، مع استثمار النفوذ لوساطات تهدئة. والإسراع بشراكات تكنولوجية بديلة. ورفع جاهزية الدفاعات المدنية والطاقة واللوجستيات البحرية. وتأمين إمدادات طاقة بديلة وتنسيق دبلوماسي لتفادي انزلاق الصراع.

 

إسرائيل تحاول التهدئة

 

المفارقة اللافتة أن كلاً من نتنياهو وترامب أرسلا إشارات تهدئة متزامنة تجاه إيران.

نتنياهو، عبر رسالة غير مباشرة إلى الصين عن طريق موسكو، طلب "خفض التوتر في المنطقة"، وترامب أشاد بتصريحات إيرانية حول التهدئة في ملف حماس إسرائيل، معتبراً إياها خطوة إيجابية. وجاءت دعوته الى الرئيس الإيراني لحضور قمة شرم الشيخ بشأن غزة برئاسة ترامب .

هل هي صدفة؟ أم بداية ترتيب جديد في خريطة التحالفات الاقتصادية السياسية التي تُرسم من بكين إلى طهران؟

 

هل يتحول الصراع الاقتصادي إلى تصعيد عسكري؟

 

هناك قنوات تربط الضغوط الاقتصادية بالتصعيد العسكري:

1.         إضعاف القدرات الدفاعية: وذلك من خلال  تعطيل إمدادات مواد حاسمة يعني بطء أو شلل إنتاج بعض مكونات الأسلحة والأنظمة الدقيقة، ما يؤثر على جاهزية القطع والذخائر والأنظمة الإلكترونية. هذا يخفض هوامش الخيار العسكري لدى الطرف المتأثر ويغري الطرف الآخر بتحريك أوراق جيوسياسية.

2.         الردّ الامريكي عبر جبهات بديلة: إذا اعتبرت واشنطن أو حلفاؤها أن المسار الاقتصادي يضرب أمنهم القومي، قد يحاولون ضرب مصالح الخصم في ساحات جغرافية أخرى مثل (ضربات على بنى تحتية للطاقة، دعم ضربات حلفاء لخصوم الخصم، أو تسريع تسليم أسلحة بعيدة المدى). تقارير أخيرة تشير إلى نقاشات حول تزويد أوكرانيا بمعلومات أو صواريخ طويلة المدى لاستهداف البنى التحتية الروسية، وهو ما أثار تحذيرات روسية حادة. هذه التحركات قد تؤدي إلى ردود متسلسلة تتصاعد بسرعة.

3.         سوء حسابات واستفزازات:  في بيئة مشحونة، حادث واحد ربما يشعل الحرب مثل (إغراق سفينة حيوية، أو إسقاط طائرة، أو ضرب منصة نفطية) قد يُستغل لتبرير تصعيد عسكري أوسع،  وهذا سيناريو لا يمكن تجاهله.

 

أن ما يحدث اليوم يتجاوز الصراعات الشخصية بين ترامب وشي. إنه صدام بين نظامين اقتصاديين: نظام السوق الليبرالي الأمريكي القائم على الهيمنة المالية والعقوبات الاقتصادية وسلاسل التوريد المفتوحة. والنظام الصيني الموجّه، الذي يسعى إلى السيطرة على المواد الحيوية وبناء بديل للنظام الغربي. هذه ليست حرباً مؤقتة، بل مرحلة تأسيسية لنظام عالمي جديد، تتراجع فيه واشنطن عن موقع القائد المطلق، بينما تصعد بكين بهدوء كمحور يربط آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا في شبكة نفوذ واحدة.


مشاهدات 55
الكاتب ناجي الغزي
أضيف 2025/10/12 - 11:11 PM
آخر تحديث 2025/10/13 - 3:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 75 الشهر 8255 الكلي 12148110
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير