أمسية وفاء في منتدى السيّاب الثقافي بأبي الخصيب
إستذكار إرث العبود وأثره الثقافي
البصرة- الزمان
في قضاء أبي الخصيب، حيث يختلط عبق النخيل بملامح الذاكرة العراقية العريقة، شهد منتدى السياب الثقافي أمسية استثنائية حملت الكثير من الدفء والحنين، إذ اجتمع الأدباء والمثقفون ليستذكروا سيرة الكاتب والباحث الراحل ياسين صالح العبود، أحد أبرز من حفظوا ذاكرة البصرة ورسموا ملامحها في مؤلفات باتت علامات فارقة في التوثيق الثقافي والاجتماعي. الأمسية التي اتسمت بطابع وجداني مؤثر، تخللتها كلمات أدبية وشعرية ألقتها شخصيات ثقافية حضرت خصيصا من مناطق مختلفة من العراق، فضلًا عن عرض فيلم وثائقي تناول محطات بارزة من حياة الفقيد، موثقا حضوره الثقافي وما تركه من أثر في ذاكرة المكان. كما تميزت الجلسة بطرح مداخلات فكرية ومقترحات عملية شددت على أهمية الحفاظ على إرث العبود وجمع مؤلفاته وإعادة نشرها للأجيال الجديدة.
وقد كان لافتا الحضور المتنوع من مختلف الأقضية والمحافظات، حيث شارك من قضاء المدينة ياسين ياسين عقيل الشاوي، ومن قضاء الزبير الدكتور حسين فالح، ومن العاصمة بغداد الناقد والكاتب حمدي العطار، إلى جانب كوكبة من أدباء البصرة، الذين عبروا عن امتنانهم لهذا اللقاء الثقافي الذي يربط الماضي بالحاضر.
في كلمته التي ألقاها خلال أربعينية الفقيد، أشار الكاتب حمدي العطار إلى أن رحيل الكبار لا يكون عابرا، فهم يأخذون معهم جزءا من ذاكرة المدن وأصالتها. وأكد أن ياسين صالح العبود لم يكن مجرد اسم في سجلات الثقافة العراقية، بل كان ذاكرة حية لمدينة البصرة عامة وأبي الخصيب خاصة، وراصدا أمينا لأسواقها وبيوتها وأنهارها، وموثقا لتاريخها بالصور والكلمات والوثائق.
وأضاف العطار أن أبرز ما يميز إرث العبود هو مؤلفاته التي باتت مرجعا لا غنى عنه، وفي مقدمتها كتابه الشهير «أبو الخصيب في ماضيها القريب»، الذي أعاد من خلاله إلى الأذهان صورة البصرة القديمة بملامحها الاجتماعية والإنسانية. فقد كان شاهدا على طفولة بدر شاكر السيّاب، وموثقا لمعمار المدينة وحكايات العوائل وذاكرة الأجيال.
إرث حي للأجيال
لقد جعل العبود من قلمه جسرا يصل الحاضر بالماضي، ومن حياته كتابا مفتوحا ينهل منه الباحثون والمهتمون بتاريخ المدينة. ولعل ما أكده الحاضرون في هذه الأمسية أن الحاجة باتت ملحة إلى جمع مؤلفاته وإعادة نشرها، لتبقى كتبه منارة تهدي أبناء البصرة والعراق كله إلى فهم أعمق لملامح المكان والإنسان.
والحمد لله الذي جعل الكاتب والادباء والشعراء منزلة لتخليدهم، وجعل اثارهم أوسع من أعمارهم.
وكانت الأمسية التي نظمها منتدى السياب الثقافي أكثر من احتفاء بذكرى رحيل مثقف بصري؛ لقد كانت وقفة وفاء صادقة لرجل عاش من أجل الكلمة، ووظف قلمه في خدمة مدينته، وسعى إلى أن يحفظ ملامحها من الاندثار. إن استذكار العبود اليوم هو استذكار لذاكرة البصرة نفسها، وهو دعوة إلى الوفاء للذاكرة الجمعية التي تشكل هوية المكان والإنسان.
رحم الله ياســــــــــــين صالح العبود، وأسكنه فسيح جناته، وجزى محبيه وأصدقاءه الذين أوقدوا شمعة ذكراه، ليظل نوره متوهجا في وجدان الثقافة العراقية.