مافيا المولدات يخشون الخصخصة.. إستغلال بلا رقيب والمواطن هو الخاسر الأكبر
بغداد - دعاء يوسف
منذ سنوات طويلة يعيش العراقيون على إيقاع المولدات الأهلية التي أصبحت بديلاً شبه دائم عن الكهرباء الوطنية، لكن مع الإعلان عن مشاريع الخصخصة التي يُفترض أن تقلل من الاعتماد على هذه المولدات، تحولت العلاقة بين أصحاب المولدات والمواطنين إلى ساحة استغلال وابتزاز منظم. فبدلاً من أن يشكل هذا الانتقال خطوة نحو تحسين الواقع الكهربائي، صار أصحاب المولدات يسابقون الزمن لجمع الأموال بأي طريقة ممكنة، حتى وإن كان الثمن المزيد من معاناة المواطنين.
مجالس محلية
آلية الاستغلال تكاد تكون واضحة للجميع أصحاب المولدات يقدمون للمجالس المحلية والمجالس البلدية أرقاماً محددة لأسعار الاشتراك، لكنهم في الواقع يفرضون أرقاماً أخرى أعلى بكثير على المواطنين. ما يُعلن أمام الجهات الرسمية ليس سوى رقم صوري يُستخدم للتغطية، أما الرقم الحقيقي فهو ما يُجبَر المواطن على دفعه شهرياً تحت تهديد قطع التيار. بهذه الطريقة يحقق أصحاب المولدات أرباحاً مضاعفة، ويكدسون الأموال استعداداً لليوم الذي ستُطبق فيه الخصخصة وتُسحب منهم هذه السيطرة.
المواطن العراقي اليوم أمام معادلة قاسية: الدفع أو العيش في الظلام. من يرفض أو حتى يحاول الاعتراض يجد نفسه فوراً بلا كهرباء، في مشهد يعكس سطوة «مافيا المولدات» التي لا تعرف رقيباً ولا حسيباً. الخطورة لا تكمن فقط في ارتفاع الأسعار، بل في أسلوب الترهيب الذي يُمارَس على العوائل، حيث يقطع أصحاب المولدات الخدمة عن أي بيت يجرؤ على تقديم شكوى، وكأنهم سلطة بديلة تفرض قوانينها الخاصة.
الأخطر من ذلك أن المواطن لم يعد يثق بالجهات الرقابية. فبالرغم من وجود خطوط ساخنة ومنافذ رسمية للإبلاغ عن المخالفات، إلا أن التجارب المتكررة أثبتت أنها لا تتجاوز كونها حبر على ورق. كثير من المواطنين يقولون إنهم اتصلوا مراراً لتقديم شكاوى، لكن الردود لا تخرج عن الوعود، ولا توجد أي إجراءات ملموسة. حتى تلك الحملات الإعلامية التي تتحدث عن ضبط الأسعار أو متابعة المولدات لا تترك أثراً على أرض الواقع.
يقول أحد المواطنين من بغداد: «ندفع ضعف السعر المقرر، وحين نشتكي للجهات الرسمية أو عبر الخطوط الساخنة لا يحدث شيء. وكأننا ندور في دائرة مغلقة. أصحاب المولدات أقوى من القانون، وأي محاولة لمواجهتهم تُقابل بالعقوبة المباشرة: قطع الكهرباء.» شهادة أخرى من الكوت تكشف أن بعض المجالس المحلية على علم بهذه الازدواجية لكنها تتغاضى عنها، إما بسبب ضعف الرقابة أو لتشابك المصالح.
حاجة اساسية
هذا الوضع خلق حالة من الاحتقان والغضب الشعبي، فالمواطن يشعر أنه محاصر من جهتين: ضعف الكهرباء الوطنية التي لم تُحل أزمتها منذ عقـــــــــــود، وجشع أصحاب المولدات الذين لا يتورعون عن استغلال الحاجة الأساسية للإنــــــــــسان وهي الكهرباء.
وفي ظل هذه المعاناة، يصبح السؤال الأكثر إلحاحاً: هل ستتمكن الخصخصة من إنهاء عصر المولدات، أم أن أصحابها سيفرضون أنفسهم مجدداً بطرق أخرى للحفاظ على مصالحهم؟
الواقع يقول إن (المواطن العراقي تعب من الشكاوى ومن انتظار الإجراءات التي لا تأتي. فحتى الخطوط الساخنة التي وُضعت لاستقبال البلاغات أصبحت بلا جدوى، ما دفع الناس إلى الاعتقاد أن لا أحد قادر على مواجهة نفوذ «أهل المولدات». وهكذا تبقى الأزمة دائرة، فيما تزداد أرباح أصحاب المولدات يوماً بعد آخر، ويبقى المواطن هو الخاسر الوحيد).