التَّقيّة السياسية
فاضل ميراني
قبل ان يتم تأثيل هذه الكلمة ( البحث في اصلها) و تأصيلها( اثبات وجودها) فهي مسبوقة بشعور حيوي عند المخلوقات التي فيها فطرة الخوف، فتتقي الخوف وتجد- ان تمكنت طريقا او طريقة لتفاديه.
الانسان كائن له قدرة التعبير في الاغلب، والفرد الذي يعي الموقف، قد يمتلك ايضا قدرة الحساب المواكب للقوة التي يخشى منها، و يظهر -وهذا تطور في الفكر و الاداء ما يحفظ به نفسه، وهذا الفعل سابق حتى لظهور الاديان و ظهور تفرعاتها، حتى لا ينصرف فهم القرّاء الى حجز المصطلح لفئة معينة و تجري حسابات فكرية عن جوازها من عدمها، وهل هي رخصة بأستدلال فِرَقيٍ في دين بذاته، ذلك ان الصراع و الجبر و الفرص، منهج بشري قديم.
العنوان العميق للمصطلح يشبه الاختصارات الدستورية، ويعني ابطان المخوف عليه و اظهار ما لا يستفز المخاف منه، وهذا الفعل لا يختص فئة عرقية او عمرية او عصرية، هو حاضر في كل صراع يتطلب سياسة فردية فطرية او موجهة ضمن تاكتيك او ستراتيج، لعدم تمكين القوي من الاقل قوة، و فاعلها هو الاخير طبعا.
حالة زوال
عاملان مهمان لابد من التوقف عندهما: الاول، في حالة زوال الظرف الملزم للتقية، وهنا اتكلم سياسيا، استمرارها برغم ان الاقل قوة لم يبق تحت تأثير القوي، و ثانيا استخدامها سياسيا من حراك يمارس السياسة بلافتة روحية. و في الحالتين تتحول لمداهنة لا مهادنة، و المداهنة لا تنبىء بنقاء الفاعل، بعكس المهادنة القريبة للصلح منها لما في سوء المداهنة.
ما يستحق تفهمه هنا ان التقية السياسية هي بذاتها حافز لتجنب الضعف، و محركا للافراد و الجماعات للعمل من اجل ازالة ما يفترض انه قوي جائر متعسف، لا ان تتحول لقناع و اداء يديمان العمل في مضمار مسؤولية مفترضة لفئة او فئات من الناس.
لا غرابة ان يلاحظ الناس و يبدوا اهتماما او يعرضوا عنه، تبدلات المسالمة الى خصام و العكس بين اغلب القوى السياسية في مجتمعات تعيش قواها صراعا على القرار و الحكم، و بالرجوع لبرامج و انطباق كل برنامج مع منجز جهة ما، سيظهر لمن يريد ان يُقر للاخرين بشهادة محايدة عن نجاحه، اي نجاحه لجمهوره.
معيار النجاح في الحالة الحاضرة الان هي مواد الدستور تحديدا في الصلاحيات للسلطة و في العائد الذي يبني الفرد، يشعره بالامن في دوائه و غذائه و سكنه و تعليمه، حاضره و مستقبله، ومتى يأخذ بالرخص التي يفهمها العقل، ومتى تزول الرخص، حيث يفترض ان ثمة عازل يفصل بين العقد الدستوري و بين المكنون الذاتي من معتقد او استعارة فكر من معتقد، يسبق هذا ان الغاية من التقية السياسية غاية سامية تعود بالنفع على النفس من اذى يوقه الظالم، اذ بخلافه سيستحيل المبدأ الى مضمونٍ مُنكرٍ لا يقبله عقل ذكي، ولا وجدان سليم، ولا يقره نص مبجل، ولا اجتهاد يحتاط من الشبهات. تجاوز الضعف مطلوب، و التحول الى قوة خيرة امر من مستلزمات الحكم الرشيد.
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني