الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تلك الجسور الواهنة بين البشر

بواسطة azzaman

تلك الجسور الواهنة بين البشر

كامل عبدالرحيم

 

لا أدري لماذا اختار أهلي أن يكون دوامي في المتوسطة في مدرسة تختلف عن تلك التي درس فيها اخوتي، فكانت متوسطة بغداد وهي بعيدة نسبيا عن بيتنا فهي تقع في حي دراغ وبيننا وبين حي دراغ ما يقارب ثلاثة أو أربعة كيلومترات أقطعها مشيا ذهابا وايابا وعلى العموم وحدي وربما هذا منحني فرصة للتأمل والتفكير مبكرا، كان على أن أقطع منطقة اسطبلات الخيول( الطوايل) والتي تحولت لاحقا إلى الأسواق المركزية ومن ثم مول المنصور بعدها وعبورا للشارع العام أقطع منطقة خلاء هي الآن حي سكني مزدهر حتى الوصول لمدرستي والتي كانت ملاصقة لبيت رئيس الوزراء طاهر يحيى رحمه الله، لم يكن لرئيس الوزراء حماية كما أن ابنه غسان معنا في المدرسة أما بناته فقمة في الأناقة والأخلاق وكن جميلات جدا كما كنت أراهن حينها. تذكرت اليوم بعض الأسماء أو الأصدقاء كونها اندثرت أو اختفت.

رياض يوسف وشؤذب محمد ومؤيد وعنان وغيرهم، رياض يوسف ربما أصبح صديقا مقربا لفترة من الزمن وهيأته مميزة بنحافته وأنفه المعقوف بشكل ملفت وكان يأتي للمدرسة من حي أبعد مني، من حي الداوودي كما أتذكر أما شؤذب أو شوذب باسمه الغريب فكان بيتهم في شارع الأميرات وانقطع عن الدراسة وربما انتقل إلى خارج العراق بعد دوامه لعام دراسي واحد لكن جرس اسمه ظل يرن في ذاكرتي وكم تابعت أو سألت عن أحواله عبثا، شوذب تعني الرجل الطويل المهيب حسن الخلقة لغويا لكنه اسم لأحد أصحاب الحسين عليه السلام وهو( شوذب مولى شاكر)، من اسمه توقعت انتماءه لإحدى العوائل الدينية الشيعية وبعد السقوط تعقبته بفضولي وأظنني وجدته قريبا على منطقة الحكم والله أعلم. رياض يوسف أيضا انقطعت أخباره بحكم المشارب والثقافات والانتماءات لاسيما وأني أكملت دراستي بعيدا عن تلك المضارب، حتى وقعت عليه في نشرات الأخبار بعد عام 2003 باسمه وأنفه ونحافته زائدا لحية إسلامية فلقد كان من قياديي الحزب الإسلامي وفي صباح أحد الأيام بينما كنت في سيارتي قاصدا عبور جسر الجمهورية لمحته ينزل من سيارته الحديثة بالدفع الرباعي التي توقفت في طابور تفتيش المنطقة الخضراء الرئيسي أو الوحيد يومها بالقرب من مستشفى الطفل القديم نزل برما من بطء سير الطابور ونادى على الجندي المكلف بالتفتيش ومعه كلب كي ناين، وأخرج له بطاقة هويته فجعله الجندي يمر تجاوزا للدور عبر طريق خاص وأظنه رشح في أول انتخابات لكنه لم يفز كان مقربا لواحد من اثنين، طارق الهاشمي أو رافع العيساوي والاثنان تم اقصاؤهما بتهمة الإرهاب فتركوا صدارة المشهد وكذلك رياض، ربما أصبح سفيرا كنوع من المواساة.

الشخص الثالث، له علاقة بانثيال ما جاور الذاكرة وما ناظرها ولا علاقة له بمتوسطة بغداد ولكن بشيء قريب منها، إنه أبو منجد.

في أول زيارة لي لأوروبا، سلكت الطريق البري، كان ذلك العام 1976 فقطعت تذكرتي لركوب واحدة من تلك السيارات الطويلة والتي تتسع لأكثر من أربعين راكبا من مرأب الصالحية الشهير، كنت وحيدا متوحدا وشعار السفرة الاستشفاء من مرض الربو الذي أنهكني حينها وكان الراكبون مزيجا من شباب وفتيات وعائلات زهت لها الحياة، كان العراق في شهيق لهواء الاستقرار النسبي والرخاء الملحوظ بسبب ارتفاع أسعار النفط وقوة قيمة الدينار العراقي واختار لي الحظ الجلوس قرب رجل دين يكبرني بالعمر عشرين عاما تقريبا بلحيته وزيه الديني التقليدي، تحرر من جبته ووضعها بعناية في خزانة المسافرين التي تقع فوق رؤوس المسافرين، اختار الجلوس قرب النافذة فلم اعترض ولي طريقتي بقتل ثقالة الوقت الطويل للرحلة وهو أربعون ساعة بالتمام والكمال وكان يقود السيارة سائقان يتناوبان، يتكلمان التركية والعربية، كانا علويين من أهل ماردين كما رأيت لاحقا.

كانت حقيبتي متقشفة وزادي للرحلة كتابين أو بالأحرى كتاب واحد بجزأين، كتاب( اللامذكرات ) لأندريه مالرو، كنت مازلت مأخوذا بروايته( الوضع البشري ) رغم طبعتها التجارية وكيف يصف البطل الشيوعي الصيني( قتله) للمرة الأولى وطريقة نفاذ السكين لطبقات لحم القتيل بحسم وهدوء، تتحدث رواية مالرو عن إجهاض الثورة الشيوعية الصينية عام 1927 على حزب الكومينتانغ بقيادة شايك آن شيك، اللامذكرات مجلدان بغلاف سميك أخضر يخفي عنوان وأسرار الكتاب، لطالما كان من يقرأ الكتب في العراق يثير الاحترام الخفيف وكثيرا من اللاجدية وبعض السخرية، لكني أصر( ومازلت ) على عادتي لأنها تكون كحاجز يفصلني ويحميني من الآخرين. ونظرا لطول الطريق لابد أن تحصل بعض الحوارات، فكانت مع أبي منجد ومع شلة من الشباب بعمري تجلس قربنا وحولنا أخذت بالضحك والتصفيق والمرح، عرفني الشيح بنفسه( أبو منجد ) وأعجبني فيه عدم تطفله على ما أقرأ وإن كان قد تكهن وكما هو واضح بأن ما أقرؤه لم يكن دينيا ولا حتى تقليديا، بالطبع تجنبت حمل كتاب من العناوين المباشرة مثل( الشيوعية والإرهاب ) لتروتسكي وكان قد شدني بابتكاره لمنظومة أخلاق هي على الطرف الآخر من الأخلاق الرأسمالية وكذلك التقليدية. سرى دفء إنساني غريب وخافت بيني وبين أبي منجد وكذلك للغرابة بيننا وبين شلة الشباب الضاحكة وعلى مايبدو بدفع من أبي منجد نفسه ولما وصلنا اسطنبول كانت صداقتي لأبي منجد أكثر جدية من أن اتركه ويتركتي ونمضي فذهبنا لفندق واحد، أنا وأبو منجد في غرفة واحدة وبقية الشلة في غرفة أخرى أ


مشاهدات 40
الكاتب كامل عبدالرحيم
أضيف 2025/09/10 - 1:06 PM
آخر تحديث 2025/09/11 - 9:25 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 456 الشهر 7752 الكلي 11925625
الوقت الآن
الخميس 2025/9/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير