سبينوزا بين الإيمان والإلحاد (1)
حارث سلمان حساني
اثارالفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا جدلا واسعا في حياته ( 1632-1677 ) ممتدا الى اليوم لكن ما يتفق عليه الكثيرمن الفلاسفة والباحثين ومتابعيه من القراء ( وانا واحد منهم ) انه كان مشروعا معرفيا عميقا شاملا مفتوحا للمناقشة ( في زمانه وبعده ) يؤمن بقدرة العقل الانساني على فهم العالم ونظام الطبيعة ومعرفة الوجود في رؤية فلسفية عميقة واسئلة تركها بعده تبحث عن اجابات قاطعة واضافات لاجلاء الغموض عما تناوله في هذا البحر الواسع من المعرفة وفك الرموز والتاويل في افكاره الفلسفية وفي مقدمة ما اثاره .. هل كان سبينوزا مؤمنا بالله ام ملحدا .. فمن يراه مؤمنا وليس ملحدا يدافع عنه مستندا على تخصيصه جزءا مهما من كتابه ( الاخلاق ( 1677) ( لاظهار وجود الله وان الحياة الجيدة ليست الا الحب الفكري في الله ) لكنه يناقض ذلك في مكان اخر .. وهكذا .. وفي نظر اخر هو ( غريب الاطوار ) ان يموت دون ان تعرف هل هو ملحد ام مؤمن .. ولم يستقر الحكم الى اي منهما يميل ويؤكد ..
وقد اتبع سبينوزا المنهج الهندسي مقتفيا اثر من سبقه في هذا المنهج - اذ لم يكن اصيلا فيه – في اثبات طروحاته الفلسفية لما يتميز به من دقة وموضوعية والوصول الى هدفه مباشرة دون استرسال واطناب مملين ويتفق مع طبيعة العلم الذي يستند الى الواقع وليس الخيال لتكون متوافقة مع الطبيعة وبستدل منها عليها وبذلك يحقق التطابق والانسجام بين فكره والشيء الذي يبحثه ، كما هو الواقع اذ ان الحقيقة تعبر عن نفسها - كما يتوضح ذلك في كتابي ( مبادىء الفلسفة الديكارتية ) و ( الاخلاق )
فكرة صحيحة
استحدم ســـــــبينوزا الطرق الهندسية للبرهنة على فلسفته و طريقته في التفكير .. وخلاصتها الايمان بالعقل والعلم واستبعاد الغيبيات، مستندا على مبدأ ( الفكرة الصحيحة تستمد صحتها من ذاتها ) كما في علم الهندسة ..
والاخلاق التي اشار اليها في الفصل الاخير من كتــــــابه (الاخلاق ) لا يمكن ان تمر الا عبر الكون والعالم .. تلك هي الفلسفة العملية ، وليست النظرية كما هي في باطن الكتب .. وهي الطريق الى السعادة ، وفي الوقت نفسه اسلوب حياة ، ائ بعبارة اخرى هي فلسفة تدعو الى تطهير العقل من الخرافات وتحتكم الى الواقع او الحقيقة .. كان سبينوزا ديكارتيا اكثر من ديكارت نفسه في شكه الهندسي .. فهو يحتم الذهاب الى ابعد نقطة لشق طريق الحرية الفكرية من خلال توهين التفــــــكير الخرافي.
·تقوم فلسفة سبينوزا في العلاقة بين الله والطبيعة على نظرية خلاصتها ان كل ما موجود في الكون هو جوهر ولفظة الله ..هو هذا الجوهر مؤكدا وجود جوهر واحد للوجود وعدا ذلك هو صفات لهذا الجوهر .. اي انه يرى مجموع كل ما موجود في هذا الكون هو الله او بعبارة اخرى وحدة الوجود كله او مجموعه هو الله ..ولانه يراه ماديا جعل هناك من يتهمه بالكفر او الهرطقة ... فهو اذن محل خلاف في عصره وبعده وانقسام في الراي بين ملحد ومؤمن لكنه بلا شك له درجة متقدمة في الفلسفة في مناقشة امور محل خلاف الى اليوم وليس في زمانه فقط .
هذا الاختلاف في الراي جعل البعض يصفه بالمخادع لانه لم يفصح عن رايه صراحة وبامكانه ذلك فيما اعتبر اخر منهجه غير اصيل ومصطنع لتحقيق اغراض خاصة لتجنب اضرار يمكن ان يسببها له التعبير المباشر .. لكنه في كل الاحوال اثار حراكا فلسفيا ومعرفيا في عصره الى الان .