قصّة قصيرة
بقعة زيت
على إبراهيم
خضرة العُشب التي فتحت شهيّة الأرض قد إحتضنت هذه الأعشاب تُسلّم كُلّ يوم جذورها إلى الماء لتستفيق للحياة بعد ليلٍ عابرٍ.
كان نقيق الضفادع يصدر ترددات مكررة تتخفى بجلدها المخطط بين الطحالب هي مملكة بين المدّ والجزر.
هو َ ما جمعه في هذا المكان الكتاب العسكري في شهوات الحروب وحتى لا تهبط عزيمته في مشروع أُخبر به مع ضحكات من الأم التي إقتنعت بأنّ بنت اختها ستحلّ في البيت ما يعجبها منها أنّها ملامح اختها المشاكسة عسى أن تكرر حياتها في هذا البيت الذي لم يشهد الهدوء يحّل عليه بينما يقف الأب يفكّر في الموضوع وما سيُملى على ابنه من تبعات بدءاً بالزواج وإنتهاءً بالطلاق.
انا صفوك من الرمادي وانا صباح من البصرة. كشف كلّ منهما عن جزءٍ من أوراقه المتخفّية خلف الذاكرة. تنّحى
صباح جانباً على أكياس الرمل المتروكةوالتي لم تُشكّل ملجأً رملياً قد ينتهي بقذيفة تحيل الأكياس إلى نثار.
ايكون ملازماً للقصور التي تشيد من الرمال عند حافات المياه المتلاطمة؟ كان يتابع الحرب والسلام
لتولستوي فقد كبرت رغباته مع هذا الكتاب لعلّه يصل إلى نتيجة تقنعه من جدوى الحرب التي تبكي على السلام وحتى كتابه قد يكون شاهداً إضافيّاً إلى مئات الاوراق التي دوّنت للحرب ومَنْ أعلن الصفارة الأولى لبدئها شاهداً قد تصفّر أوراقه حين لا يلامس كفيّ المقاتل المتوزّعة هنا وهناك او ان يتركه لذاكرة العشب الأخضر كبرق خاطف في ترك المكان فالحروب أسرار ومخاضات ميّتة.
كان الضحى مثل كل يوم فيه إحصاء لمن ودعّوا ساحة الحرب بملابسهم تصطبغ بالدماء المتعفرة بالتراب وإحصاء ثانٍ للجرحى حين تعاود سيارات الإسعاف نقلهم تخطف الشارع العام المؤّدي إلى طرقات المدينة. وإحصاء ثالث في تعداد مَنْ تبقّى وقد نزلت برقيّة مستعجلة في التّحرك خلال ساعات إلى حقل مجنون.. هذا السّر سوف يفتضح أمره عندما تبدأ السرفات في ليل غارق بالسواد بإختراق الشارع العام بعد نقلات كثيرة مرّت وعبرت الشوارع دون إبتسامة او صمت من الذين لبسوا الخاكي ولم ينزعوه إلأّ بأوامر عسكرية. يقترب الجندي صفوك الذي لم يرغب ان يدّس وجهه في العريف صباح وهو يتابع حربه وسلامه يقطع عليه سلسلة أفكاره في الكتاب بسؤال خزنه سبع مرات قائلا:هل صحيح إننا سنغادر؟ ردّ صباح ويداه على الكتاب :سمعت ذلك يترك كتابه وينظر إلى العشب الأخضر ونقيق الضفادع ضحىّ تريد أن تسّد جوعها.
يخرج علبة السجائر يوزّع مجاناً ويترك واحدة في فمه ليجد ناراً تقترب من سيجارته أجاب :شكراً.
ردّ صفوك :اتكون نقلتنا إلى بقعة الزيت في حقل مجنون كانت الصحراء التي اقبل منها وإجتاز الجسور والمدن ونزل الأودية بساعاتها وايامها هل ستتوّقف كلها عند بقعة الزيت التي يتراقص حولهاساسة الحرب ليحمل ما يشاء من الحقل المجنون إلى أرضه الجرداء لتصبح بعد الإرتواء واحهةً تُزيل الماضي الغابر. كم سيغرف من هذا الذهب الأسود ليملأ جيوبه والقِزان والقصعة....؟
إمتلأ فمه بالضحكات المتناثرة مع الدخان. طوى العريف صباح الكتاب ليعلن أنّ الحرب سوف تبدأ ثانية وثالثة.
تعوّذ ممن حوله بعد إن لفّهم الصمت وتعّكر مزاجهم يعرض كلّ منهم رسالته القصيرة على الهواء ستون يوماً دون اجازة ياناس!
كررّالعريف صباح إطلاق تصريحاته فليس فيها ما يضّر القائد الذي لم يكسر أنفه احد حين دخل محرقة الموت!
تعرفون بقعة الزيت تسري في هذه الأرض ماذا جلبت لنا غير الحظّ التعيس هي لعبة ونحن الكلاب ممن يحرس هذه اللعبة التي تأكل الأخضر واليابس وتحتفظ بحيويّة بقعة الزيت ان يطالها إصبع ديناميت يجعل الأرض تغلى وتغلي.
تحرّكت عقول الذين حوله من الجنود وتناسوا الإجازة حينما فغر كلّ منهم فاه. قطع العريف صمتهم بعدما قطعت بقعة الزيت كلّ ما قرأه عن الحرب و السلام ربّما سيحترق فيه المشروع الذي أخبرته به أمّه ليترك العشب الأخضر ونقيق الضفادع إلى طريق يلتهب بالنّار تتصاعد كلّ وقت منه ألسِنة صفراء باهتة والسِنة غامقة تكسوها الحيرة ويجللها الصمت من بقعة الزيت.