تطبيق مبادرة الحوكمة لخلق مستقبل عالمي مشرق
تسوي وي
يصادف هذا العام الذكرى الـ80 لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية وتأسيس الأمم المتحدة. في هذه اللحظة التاريخية التي تربط الماضي والمستقبل، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة الحوكمة العالمية خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين. وفي اليوم نفسه، أصدرت الصين رسميا «الورقة المفاهيمية لمبادرة الحوكمة العالمية». تُعد هذه المبادرة منفعة عامة مهمة جديدة قدمته الصين للعالم ما بعد مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية. حظيت المبادرة بتجاوب فعال وتأييد واسع من المجتمع الدولي فورا بعدما تم طرحها، وتُعتبر خطوة مهمة مطروحة في وقته، وقائمة على أساس مبدأ المساواة في السيادة واحترام القانون الدولي.
أولا: الخلفية العصرية لمبادرة الحوكمة العالمية
في ظل تغيرات الأوضاع المتسارعة التي لم يشهده العالم منذ قرن، وتكرار الفوضى والاضطرابات الإقليمية باستمرار، وتعثر التنمية الاقتصادية، وازدياد النزعة المعاكسة للعولمة، وغياب القواعد وسيادة القانون، وصلت الحوكمة العالمية إلى مفترق الطريق الحاسم ما بين التقدم والتراجع. هناك نواقص خطيرة في الآليات الدولية الحالية، التي تتمثل بشكل خاص في نقص تمثيل دول جنوب العالم، وتآكل سلطة الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات، والحاجة الملحة في تعزيز فعاليتها.
في ظل التحديات العالمية المتزايدة التي تواجهها البشرية، تجاوز الكثير من هذه التحديات قدرة دولة واحدة، الأمر الذي ألزم المجتمع الدولي بأن يجسد التوافق ويحفز زخم التعاون بشكل أكثر فعالية من أي وقت مضى، مما جعل قضية تعزيز الحوكمة العالمية تيارا لا مفر منه لمستقبل العالم، وطرح الأسئلة المهمة التي تجذب الاهتمام البالغ من المجتمع الدولي حول ما هو نظام الحوكمة العالمية الذي يجب بناءه وكيفية إصلاحه وإكماله. طرح الرئيس شي جينبينغ مبادرة الحوكمة العالمية في هذا الوقت، الأمر الذي يستجيب تطلبات العصر والشعوب في هذا التوقيت الحاسم، يتماشى مع التطلعات المشتركة لشعوب العالم، ويلبي الاحتياجات الملحة لعالمنا اليوم.
ثانيا: المغزى العميق لمبادرة الحوكمة العالمية
شدد الرئيس شي جينبينغ في كلمته على الفكرة الرئيسية للمبادرة، ألا وهو الالتزام بالمساواة في السيادة، والالتزام بسيادة القانون الدولي، والالتزام بتعددية الأطراف، والالتزام بوضع الشعب في المقام الأول، والالتزام بتحقيق نتائج ملموسة.
حوكمة عالمية
هذه الأفكار الخمسة المذكورة أعلاه تبين بكل وضوح المبدأ والأسلوب والمنهج الذي يتطلب اتخاذه إصلاح الحوكمة العالمية واستكمالها. فبين هذه الأفكار، تعد المساواة في السيادة من أهم شروط مسبقة للحوكمة العالمية، التي تمنح كل دولة بغض النظر عن حجمه نفس الحق للمساهمة في الحوكمة العالمية والمشاركة في قرارها والاستفادة من فوائدها. وتعد السيادة القانون الدولي ضمانا أساسيا للحوكمة العالمية وهي قائمة على القانون الدولي والقواعد الدولية التي يتم صياغتها وصونها وتنفيذها من قبل الجميع دون أي استثناء. وتعد تعددية الأطراف منهجا أساسيا للحوكمة العالمية، التي تتطلب إنهاء حالة احتكار قلة الدول على الحوكمة العالمية وحالة التنمر والأحادية على الفور.
ويعد وضع الشعب في المقام الأول الهدف الأول للحوكمة العالمية، التي تتطلع إلى تحقيق نعمة لجميع شعوب العالم. ويعد تحقيق نتائج ملموسة مبدأ مهما للحوكمة العالمية، التي تولي اهتماما بالغا للفعل والجدوى وتهدف إلى حل المشاكل الواقعية ذات الاهتمام المشترك لجميع الدول لاسيما الدول النامية. فإن المبادرة تدعو جميع الأطراف جنبا إلى جنب إلى تعزيز الحوكمة العالمية وتحسينها ، وتركز على الإبداع والإصلاح وإرقاء النظام الدولي والآلية الدولية من فعاليتها وكفاءتها، بما يجعلها أن تعكس تغيرات المعادلة والأوضاع الدولية والتصدى للتحديات العالمية في وقتها والحفاظ على المصالح المشتركة لمختلف الأطراف بشكل أفضل.
ثالثا: المعنى الايجابي لمبادرة الحوكمة العالمية
توفر المبادرة إجابة واضحة للسؤال الجذري «ما هي الأطراف المشاركة في الحوكمة وما هي الأطراف المستفيدة منها وما هي طرق الحوكمة»، الذي يهم استقرار النظام الدولي، وتقدم المبادرة منهجا فعليا لدفع المجتمع الدولي تجاه المستقبل المتسم بالعدل والانصاف والفوز المشترك.
أولا، ستساهم المبادرة في ارساء أساس متين للحوكمة العالمية. نجد أن ما ينص عليه ((ميثاق الأمم المتحدة)) من مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها والايمان بالحقوق المتساوية بين الأمم كبيرها وصغيرها، لم يجد ترجمته الكاملة في ممارسة العلاقة الدولية في عالمنا اليوم، والالتزام بسيادة القانون الدولي يواجه تحديات أكثر خطورة وشدة مما مضى. أمام مشكلة عدم التوازن الهيكل لنظام الحوكمة العالمية الحالية ونقص التمثيل للجنوب العالمي، فإن الصين تطرح المبادرة وتتمسك بدفع الحوكمة العالمية للاتجاه الصحيح ورفع راية التضامن بدلا من الشقاق وراية التعاون بدلا من المواجهة، مستهدفة إلى صيانة النظام الدولي والمقاصد والمبادئ لميثاق الأمم المتحدة ودفع الآليات متعددة الأطراف لتفعيل دورها بشكل أحسن.
ثانيا، ستعزز المبادرة فعالية الحوكمة. تُعد تعددية الأطراق مفهوما جوهريا للنظام الدولي. مع دخول عالم اليوم مرحلة جديدة من الاضطرابات والتغيير، يحتاج المجتمع الدولي أكثر من أي وقت مضى إلى النهوض بتعددية الأطراف الحقيقية وبناء قوة قوية لمواجهة تحديات العصر. تعد شعوب العالم المشاركين والمستفيدين الأساسيين من الحوكمة العالمية.
قضايا ملحة
ولا يجوز لنظام الحوكمة العالمية أن يحظى بدعم واسع النطاق ويعمل بفعالية إلا من خلال تعزيز شعور شعوب العالم بالكسب باستمرار. ومن أجل تعزيز فعالية الحوكمة يجب على جميع الأطراف إيلاء أهمية تحقيق النتائج الملموسة والمثابرة على اتخاذ الإجراءات مع التركيز على القضايا الملحة الحالية وتحديات المستقبل الطويلة الأجل. علينا تجنب تأخر الحوكمة وتفككها من خلال التعاون العملي وتعزيز تقدم العصر في عملية الاستجابة للتحديات. يتطلب العصر العظيم حكمة عظيمة وتتطلب التغييرات العميقة مسؤولية كبيرة. مع التركيز على مستقبل التنمية البشرية، طرح الرئيس شي جينبينغ المبادرات العالمية الأربع. تضخ هذه المبادرات التي تركز على التنمية والأمن والحضارات والحوكمة عوامل الاستقرار واليقين في العالم المضطرب وإبراز حرص الصين على تحمل مسؤوليتها تجاه القضايا الدولية. تركز مبادرة التنمية العالمية على معالجة عجز التنمية وتعزيز التعاون التنموي الدولي، وتركز مبادرة الأمن العالمي على الحوار والتشاور لحل النزاعات الدولية والإقليمية، وتسعى مبادرة الحضارات العالمية إلى تعزيز التبادل والاستفادة المتبادلة بين الحضارات وتعزيز التعايش والتناغم، وتهدف مبادرة الحوكمة العالمية إلى تعزيز إصلاح وتحسين الحوكمة العالمية وبناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلا وإنصافا. هذه المبادرات العالمية الأربع، لكل منها أولويتها وتكمل بعضها البعض وتشكل وحدة عضوية وتوفر توجيها استراتيجيا لبناء مجتمع المستقبل المشــــــــترك للبشرية.
في وجه العالم المضطرب والمتغير ستواصل الصين وقوفها إلى جانب التاريخ الصحيح والتقدم البشري وتعددية الأطراف. وتحرص الصين على تعزيز التنسيق والتواصل مع العراق ودول الجنوب العالمي من خلال حشد قوة مشتركة أكبر وتعزيز التآزر والتساند والاتحاد والتقوية الذاتية من أجل تطبيق مبادرة الحوكمة العالمية، بما يعود بالنفع على جميع البشرية من ثمار إصلاح نظام الحوكمة العالمية وبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
السفير الصيني لدي العراق