الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مروّضو السلطة لا مثقفيها (4)

بواسطة azzaman

مروّضو السلطة لا مثقفيها (4)

متى يتغيّر النظام في العراق ؟

منقذ داغر

 

(عندما يصل قطار التاريخ لمنحنى حرج يقفز المثقفون منه)كارل ماركس

استكمل في هذا الجزء ما بدأته عن شرح الظروف التي أدت لإدامة هيمنة وحوش السلطة كما يسميهم غرامشي ،وإسهامهم في تدجين الشعب او جعله يائساً من التغيير.

2. دور المثقفين

بات واضحاً مما سبق أن واحداً من أهم إسهامات غرامشي التشخيصية -لا العلاجية- هو مفهوم الهيمنة Hegemony وأزمتها التي تتيح لوحوش السياسة تركيب أجهزة إنعاش للنظام السياسي المحتضر ومنع النظام البديل من الولادة. تحافظ الطبقة المهيمنة على السلطة لا من خلال القمع او القهر المبني على السلطة العسكرية والأمنية، بل اهم من ذلك من خلال قدرتها على إقناع غالبية الناس بقبول النظام كما هو. لذا يتم تشكيل المؤسسات الثقافية - مثل وسائل الإعلام والمدارس والدين- التي تجعل الوضع الراهن يبدو طبيعياً، أو مقبولاً، اولا يمكن تغييره وأستبداله خوفاً على مصالح الناس وأمنهم وتجنباً للقادم المجهول، وربما الفوضوي. لقد أدرك غرامشي أن التغيير الحقيقي لا يتطلب فقط تحدي أنظمة السلطة الاقتصادية،كما أعتقد الماركسيون الذين ينتمي لهم، بل يتطلب أيضا تحدي الأنظمة الثقافية التي تجعل هذه الأنظمة السلطوية تبدو «طبيعية أو مقبولة او ربما صحيحة. لاحظوا في العراق مثلاً كيف تم تسخير أجهزة الاعلام ومنصاته،وحتى بعض المثقفين والمنتفعين من النظام والمرتبطين معه لإثارة مخاوف الناس من التغيير سواءً من خلال صناديق الأقتراع او من خلال التغيير الشعبي السلمي! لاحظوا حجم الأحباط واليأس وفقدان الأمل في التغيير بين الشباب العراقي. ولاحظوا حجم الخوف من التغيير الذي يتم زرعه يومياً عبر «مثقفي» السلطة وأبواقها. أنهم في الواقع مروضو السلطة وليسوا مثقفيها.

نخب حاكمة

ولكي تتم زراعة الأمل بدلاً من اليأس،والقدرة بدلاً عن العجز،والمصارحة بدلاً عن اللمز،فيجب كما يعتقد غرامشي خلق من يسميهم بالمثقفين العضويين Organic Intellectuals أي المثقفين المرتبطين بمصالح الشعب وليسوا المرتبطين بمصالح النخب الحاكمة. ولو أخذنا الأعلام العراقي كأحد الأمثلة الواضحة على ادامة الهيمنة النخبوية الحاكمة في العراق فسنجد ان معظم منصات وقنوات الأعلام العراقي مملوكة وأو تدار من قبل تلك النخب بصيَغها السياسية، أو الميليشياوية، او المالية الأقتصادية. لقد بات الأعلام العراقي خاضعاً بالكامل تقريباً لهذه الأنواع الثلاثة من النخب مما يساعدها في خلق وادامة نظام ثقافي فكري مدجّن ومنزوع الدسم.

على صعيد آخر فقد كانت الدولة الإيطالية منفصلة تماماً عن الشعب بشكل مشابه للدولة العراقية الحالية. وعلى الرغم من الأختلاف الآيدلوجي الواضح والكلي بين عقيدة موسوليني الحاكمة آنذاك وبين التشتت وعدم الوضوح الآيدلوجي في عراق اليوم، الا ان الخطاب الشعبوي السائد والمتنامي في المشهد العراقي حالياً يشبه كثيراً الخطاب الشعبوي السائد في إيطاليا آنذاك حسب اعتقاد غرامشي! لقد باتت الشعبوية أحد أهم سمات النظام العراقي الحالي وخطابه السياسي التعبوي والمهيمن. وفي حالتي العراق اليوم وإيطاليا آنذاك، فقد تمكن هذا الخطاب الشعبوي السلطوي من استقطاب كثير ممن اسماهم غرامشي بالمثقفين التقليديين Traditional intellectuals  المرتبطين بنظام السلطة أو الذين يمكن ان يبرروا للسلطة او يساعدوها في تدجين الشعب من خلال طروحاتهم الفكرية. مراجعة ليوم واحد لما يتم نشره عبر منصات التواصل العراقية أو أجهزة الأعلام المختلفة تكفي لتوضيح نشاط وفاعلية مثقفي السلطة في بث الخوف من الآخر، أو من القادم المجهول، أو اليأس من التغيير.

3.التاريخ والهوية

كان غرامشي يعتقد ان توحيد ايطاليا بالقوة في عام 1861، بعدما كانت عبارة عن دويلات أو ممالك(مملكة صقليا،ومملكة سردينيا) مستقلة او خاضعة للإمبراطورية النمساوية، أسهم في خلق ظروف تاريخية ساعدت على الأضطراب والأغتراب الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي عانت منه إيطاليا فيما بعد. فقد جرى فرض الهوية الإيطالية الموحدة بصيغة جبرية من الأعلى للأسفل عن طريق النخب التي حكمت إيطاليا في بداية وحدتها.

توحيد ولايات

وهنا يمكن مرة أخرى ملاحظة الشبه الكبير بين طريقة خلق إيطاليا الموحدة وطريقة خلق العراق الموحد على يد النظام الملكي في العراق في 1921. فقد تم توحيد الولايات العراقية العثمانية الثلاث (بغداد والبصرة والموصل) بالقوة على يد الاحتلال الإنكليزي الذي أستورد ملكاً للعراق وأوكل له مهمة إدارة ثلاث أقاليم لم تعتد على العمل سويةً وضمن أطار سلطة مركزية من بغداد! لقد أدرك الملك المؤسس (فيصل الأول) رحمه الله ونخبته الحاكمة صعوبة خلق هوية عراقية موحدة في ظل هذه الظروف. وعلى الرغم من محاولات الترغيب والترهيب التي قامت بها السلطة الملكية لكنها عانت كثيراً الى الحد الذي جعل الملك يكتب لخاصته محبَطاً رسالته الشهيرة التي بث فيها بعد حوالي عقد من السنين من حكمه، همومه ورؤيته الواقعية جداً لافتقار العراق الى اهم مكونات الوحدة الوطنية،وأقصد بها الهوية الوطنية الموحدة والعابرة للطائفية والعشائرية والمناطقية. واذا كانت القوة قد نجحت في توحيد العراق -ومن قبله إيطاليا- ضمن كيان سياسي واحد وتحت سيطرة نظام حكم واحد، الا انها فشلت في خلق الإحساس بالوحدة والمساواة في المواطنة. هذا الفشل في خلق الشعور بالهوية الوطنية الجامعة أمتد للأسف في الحالة العراقية لأكثر من قرن الى يومنا هذا،وتمت تغذيته من قبل نخب الحكم لإدامة فرض الهيمنة بطريقة مشابهة جداً لسياسة فرّق تسُد. ويكفي النظر اليوم الى الأرقام التي تنشرها المجموعة المستقلة للأبحاث دورياً لأدراك ان هناك نسبة كبيرة من العراقيين (30-50بالمئة) يفضلون هويتهم الدينية والطائفية والعرقية والعشائرية على هويتهم العراقية.

 

 


مشاهدات 70
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/09/08 - 3:47 PM
آخر تحديث 2025/09/09 - 4:17 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 145 الشهر 6001 الكلي 11423874
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/9/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير