الوطنية للهاتف النقال خطوة إلى الأمام أم الوراء ؟
ليث شبر
هذا المقال يناقش بموضوعية إعلان تأسيس الشركة الوطنية للهاتف النقال لتكون رابع شركة اتصالات في العراق، بعد زين وآسيا سيل وكورك. الإعلان رافقته عناوين عريضة عن دخول الدولة إلى سوق الاتصالات، عن شراكة مع فودافون العالمية، وعن وعود بخدمات الجيل الخامس وأسعار منافسة. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل نحن أمام خطوة إلى الأمام تعزز المنافسة وتحسن الخدمة، أم أننا بصدد إعادة إنتاج تجربة مثقلة بالمشكلات والعقود الغامضة؟
من حيث المبدأ، وجود شركة وطنية في سوق حيوي مثل الاتصالات يمكن أن يكون إضافة استراتيجية، شريطة أن تدار بعقلية مختلفة عن عقلية الهيئات الحكومية غير المحدثة لا إداريا ولا في الكفاءات المتنورة. فالمواطن العراقي أنهكته رداءة الخدمة، وارتفاع أسعار الباقات، وغياب الشفافية في إدارة الطيف الترددي. ودخول الدولة عبر شركة مساهمة عامة يمكن أن يمنح فرصة لتصحيح المسار، لكن بشرط أن تكون الرقابة حقيقية والإدارة مستقلة عن المحاصصة.
شراكة دولية
الشراكة مع فودافون، إن التزمت بالمعايير المهنية ونقلت التكنولوجيا فعلاً، قد تمنح العراق فرصة للدخول إلى فضاء الجيل الخامس وما بعده. غير أن التجربة العراقية مع عقود الشراكة الدولية تحمل الكثير من الشكوك. فالمستثمر الأجنبي يبحث عن بيئة قانونية مستقرة، وعن ضمانات حقيقية للأرباح، بينما السوق العراقية ما زالت محكومة بتقلبات السياسة وضبابية التشريعات وفساد العقود.
لكن الخشية الأعمق تتعلق بما وراء الأبراج والأجهزة، أي مراقبة الاتصالات والبيانات. فالعراقي الذي يعاني أصلاً من تضييق الحريات وغياب الثقة بالمؤسسات، لن يقبل أن تصبح مكالماته ورسائله ومعلوماته الشخصية رهينة بيد سلطة عاجزة عن مواكبة العصر. وإذا كانت تصريحات المسؤولين عن ملف الاتصالات تكشف عن عقلية كلاسيكية لا تتسق مع العصر ولا تسبق الزمن ولا تفكر إلا في الجباية والسيطرة، فكيف يمكن أن نطمئن أن الشركة الوطنية لن تتحول إلى أداة رقابة كبرى، بدل أن تكون وسيلة لتحديث الدولة والمجتمع؟
ثم هناك هاجس آخر لا يقل خطورة: أن تتحول هذه الشركة إلى عبء إضافي على الدولة، مثلما تحولت شركات ومؤسسات سابقة إلى أذرع محاصصة وفساد. فهل نحن بحاجة إلى شركة جديدة بينما ما زالت عقود الشركات الثلاث الأخرى معلقة على ملفات فساد وتحقيقات غير محسومة؟ ألا يجدر بالدولة أولاً أن تحاسب القائمين على تلك الشركات، وتكشف للرأي العام أين ذهبت مليارات الدولارات من عوائد الاتصالات؟ المواطن يريد خدمة سريعة وآمنة ورخيصة، لا يهمه إن كان مقدمها وطنياً أو أجنبياً. الأهم أن تكون الخدمة بمستوى يليق ببلد يمتلك إمكانات العراق البشرية والمادية. أما إذا تحولت الشركة الوطنية إلى مجرد شعار سياسي، أو وسيلة لتوزيع المناصب والامتيازات، فإنها ستكون خطوة إلى الوراء، وتكراراً مريراً لتجارب سابقة. إن تأسيس الشركة الوطنية للهاتف النقال اختبار جديد للدولة العراقية: هل تستطيع أن تدخل السوق بعقلية تنافسية، شفافة، حديثة، تحترم خصوصية المواطن، وتفرض معايير الجودة على القطاع؟ أم أنها ستعود بنا إلى دوامة الوراء حيث تختفي الخدمات خلف اللافتات الكبيرة والوعود الفارغة؟
الجواب لن يظهر في البيانات الصحفية، بل في واقع الخدمة التي تصل إلى هاتف المواطن، وفي شعوره بالأمان وهو يتكلم ويكتب ويتواصل دون خوف من عينٍ تراقب أو أذنٍ تتنصت.
عن مجموعة واتساب