الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحرية بين العبودية الداخلية والإنفلات

بواسطة azzaman

الحرية بين العبودية الداخلية والإنفلات

كفاح محمود

 

لطالما كانت الحرية في جوهرها قيمةً كبرى، لا تُمنح بقرارٍ سياسي ولا تُكتسب بمجرد كسر القيود الخارجية، بل هي وعي داخلي وتجربة وجودية تسكن أعماق الإنسان قبل أن تتجلى في سلوكه، والمفارقة أن كثيرًا من شعوبنا في الشرق الأوسط، حين فُتحت أمامها أبواب الحرية بعد عقود طويلة من القمع، لم تُحسن إدارتها، فبدت وكأنها قطيعٌ انطلق فجأة من حظيرة ضيقة، يركض بلا اتجاه واضح. هذه الظاهرة ليست صدفة؛ بل هي نتاج تراكمات اجتماعية وتربوية وسياسية ثقيلة، لعقود طويلة جرى تربية الأفراد على الطاعة العمياء والخضوع للسلطة، حتى صار الاستسلام عادةً والحرية غريبة على النفس، ومن أدمن العبودية لا يرى في الحرية إلا فوضى، لأنه لم يتعلم أن يكون مسؤولًا عن نفسه ولا أن يدير خياراته بعقل ناضج.

تجارب ديمقراطية

الحرية الحقيقية تحتاج إلى أحرار في الداخل، إلى وعي في العقول وإرادة في النفوس، فلا تكفي الشعارات ولا الميادين المزدحمة بالمطالبين بالتغيير، إذا كانت البنية العميقة للفرد والجماعة ما تزال أسيرة أنماط القطيع، ولهذا نرى أن بعض التجارب الديمقراطية في منطقتنا لم تُثمر إلا صراعات وانقسامات، لأن البنية الاجتماعية لم تكن مؤهلة بعد لممارسة الحرية بوعي ومسؤولية. إن الحرية ليست فوضى، وليست مجرّد هتاف أو انفعال آني؛ بل هي امتحان حقيقي يكشف معدن النفو، من امتلأت أعماقه بروح الحرية مارسها بانضباط وارتقى بها إلى أفق أوسع من ذاته، أما من ظلّت العبودية تسكنه فسيتحول عند الانعتاق إلى فوضويٍ متهور، وهنا يكمن الفرق بين مجتمعات استطاعت أن تجعل الحرية طريقًا للنهوض، وأخرى لم تر فيها سوى انفلات يجرها إلى الفوضى والدمار. ويبقى السؤال مفتوحًا أمامنا جميعًا: هل الحرية في مجتمعاتنا مجرد أقنعة نرتديها لنخفي عبوديتنا العميقة، أم أنها وعي متجذّر في أعماقنا نمارسه بصدق ومسؤولية؟.

 


مشاهدات 53
الكاتب كفاح محمود
أضيف 2025/09/01 - 3:54 PM
آخر تحديث 2025/09/02 - 12:35 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 37 الشهر 767 الكلي 11418640
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/9/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير