حصار غزة أم نحن المحاصرون؟
عبد الستار رمضان
مأساة غزة حصارها مستمر إلى أمد غير معروف، والجوع وحش كاسر يقتل يوميا العشرات من الأطفال والنساء والشيوخ والناس من مختلف الأعمار والأفكار، ويصبح الهوية الوحيدة التي تجمع أهل غزة في مشاهد تنقلها الفضائيات وسائل الإعلام، ويقف الجميع عاجزين مذعورين حزينين الشاهد والشهيد والإنسان والجوع والقتل والإجرام والإبادة وكل معاني الظلم وصور الطغيان في كل اللغات والإشارات والإيماءات.
العالم كله يقف عاجزا عن فعل شيء، العالم الحر وغيره الغارق في التبعية والتأييد للظالم المجرم، كلهم سواء مع الأهل والأخوة وأبناء العم الذين يطوقون ويجاورون غزة مشتركون مساهمون سواء مساهمة أصلية أو تبعية في حصارها ونحر ها، مع حوالي ملياري مسلم يشكلون 25 بالمئة من سكان العالم مشتركون في العقيدة والانتماء, لا يستطيعون فك الحصار، إن لم يكن لبعضهم أدوار و أيادي بالخفاء والعلن في استمرار الحصار وإضافة أعداد جديدة إلى قائمة الشهداء والضحايا.
حصار غزة وإبادتها الذي يتم بمشاهد حية ومباشرة هو نتيجة لعقود وعقود من العمل والتخطيط المنظم والمؤامرات التي نجحت في عزل قضية القدس وفلسطين عن عالمها ومحيطها الإسلامي فتم تحييد أو إنهاء البعد والانتماء الإسلامي لفلسطين وأهمية القدس باعتبارها أول القبلتين وثالث الحرمين، وتم التركيز على القومية وعروبة فلسطين وجامعة الدول العربية (الكسيحة)التي ظلت تتراجع وتتراجع في الاهتمام ودعم القضية الفلسطينية، التي تحولت بعدها إلى قضية وطنية خاصة للفلسطينيين ثم تم اختزالها في مناطق الضفة وقطاع غزة والذي سرعان ما تم تمييع القضية واقتصارها على الصراع في من يحكم ويسيطر على غزة التي جمعت على أرضها اختلافات وصراعات وتتناقضات وتطلعات ومؤامرات العالم كله.
غزة وأهلها ليس هم المحاصرون وحدهم والذين يعانون من الإبادة والموت البطيء السريع، بل نحن جميعا محاصرون وصورة وواقع وحال الأمة المريضة العاجزة الكسيحة التي فقدت بوصلة الحكمة والرشد وتداول السلطة والحكم الرشيد، حتىى ضاق بها العيش في الواقع والحاضر، فاختلفت فيما بينها على حدود وهمية صنعها المستعمر الماكر وقدسها أبناء الأرض والحاكم الغادر، وخلقوا هويات وجنسيات متصارعة تقدس فواجع ومآسي وحوادث الماضي البعيد, إلى واقع العداء والحروب بسبب الأديان والمذاهب والمعتقدات والطوائف والقوميات وكل ما يثير الأحقاد التناحر بدلا من ضرورات الحياة والعيش المشترك.