الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدعم الأمريكي المتجدّد لأوكرانيا

بواسطة azzaman

الدعم الأمريكي المتجدّد لأوكرانيا

محمد علي الحيدري

 

في سياق التحوّلات الاستراتيجية العالمية التي تُعيد رسم توازنات القوة منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، عاد ملف الدعم العسكري الأميركي لكييف إلى واجهة الجدل السياسي في واشنطن والعواصم الأوروبية. إعلان إدارة ترامب الثانية عن تجهيز حزمة جديدة من صواريخ “باتريوت” لأوكرانيا، بعد أسابيع من التردد، يعكس تحوّلًا براغماتيًا في حسابات الإدارة التي طالما روّجت لنهج تقليص الانخراط العسكري الخارجي. غير أن هذا القرار، رغم ما يحمله من طابع داعم للحليف الأوكراني، يكشف في العمق عن مأزق استراتيجي يتجاوز مجرّد تزويدٍ بسلاح نوعي. إن تزويد كييف بمنظومات باتريوت يمثّل، في المبدأ، محاولة لتعزيز قدرتها على الدفاع الجوي، خاصة في مواجهة الضربات الروسية المركّزة على البنى التحتية الحيوية.

ضغوط اوربية

لكن ما هو أهم من الجانب العسكري البحت، هو دلالة التوقيت: إذ تأتي المبادرة الأميركية في ظل تزايد الضغوط الأوروبية على واشنطن لعدم التراخي في دعم كييف، وفي وقتٍ صعّدت فيه موسكو من تهديداتها تجاه أي تزويد بأسلحة تعتبرها “استفزازية”. كما يتزامن القرار مع ضغوط داخلية على الرئيس ترامب من أوساط جمهورية تقليدية ترى في التخلي عن أوكرانيا إضعافًا لمصداقية الردع الأميركي في أوروبا. لكن خلف هذا الغطاء الداعم تتكشف عناصر استراتيجية أكثر تعقيدًا. فإدارة ترامب لم تُخفِ رغبتها في نقل العبء الدفاعي إلى الأوروبيين، وأعلنت صراحة “مهلة دبلوماسية” مدتها خمسون يومًا أمام موسكو لوقف العمليات العسكرية أو مواجهة حزمة عقوبات “ثانوية”، تشمل تشديد القيود على صادرات التكنولوجيا وتقييد النفاذ إلى النظام المالي العالمي.

هذا النوع من الإنذارات الزمنية، وإن بدا محسوبًا، يُفصح عن أن القرار العسكري ليس نهاية المسار، بل جزء من استراتيجية ضغط تهدف إلى خلق مناخ تفاوضي جديد، يعكس عقلية رجل الأعمال أكثر مما يعكس عقيدة أمن قومي متماسكة. اللافت أيضًا أن الدعم الجديد لم يُرفق بخطاب تعبوي واسع، بل بدا أقرب إلى حركة تكتيكية مفاجئة، هدفها منع الانهيار المعنوي في كييف أكثر من كونه رهانًا مفتوحًا على الحسم. وإذا أخذنا في الاعتبار تردد بعض مراكز القرار في الكونغرس، وتزايد الكلفة السياسية لهذا الدعم لدى قواعد ترامب الشعبوية، فإن المسار يبدو مرشّحًا لمزيد من التذبذب في الأشهر المقبلة.

مواجهة مباشرة

ثمّة مفارقة لافتة: فالرئيس ترامب لا يريد اندلاع مواجهة مباشرة مع روسيا، لكنه لا يريد أيضًا أن يُتهم بأنه سمح بانتصار استراتيجي لموسكو. وهنا تحديدًا تكمن خطورة اللحظة: فالإصرار على الردع دون خطة دبلوماسية ناضجة يهدد بتحويل الدعم العسكري إلى مجرّد إدارة لأزمة طويلة الأمد، بدل أن يكون مدخلًا لحل سياسي متين. في المحصلة، لم تعد صواريخ باتريوت مجرد معدات تُضاف إلى الترسانة الأوكرانية، بل باتت مؤشرًا على طبيعة التوازن الدقيق الذي تسعى إدارة ترامب للحفاظ عليه بين صورة الحليف الحازم والزعيم الانعزالي.  غير أن هذا التوازن لا يمكن أن يصمد طويلًا من دون إعادة صياغة واضحة للسياسة الأميركية تجاه روسيا. وإلا، فإن واشنطن لن تجد نفسها في موقع الدفاع عن أوكرانيا فحسب، بل عن صدقيتها الاستراتيجية أمام العالم بأسره.


مشاهدات 111
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/08/03 - 2:38 PM
آخر تحديث 2025/08/04 - 7:28 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 222 الشهر 2400 الكلي 11277486
الوقت الآن
الإثنين 2025/8/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير